نشرت في صحيفة الوطن

نظاميات عندما تعتمد الأنظمة الدولية مبدأ حصانة القاضي فإنها إنما تهدف إلى توافر البيئة المناسبة لانطلاق القاضي - في رحلة التقاضي - نحو الحكم العادل ؛ دون تأثُّر ولا تأثير .

- وليس المراد من الحصانة أن يسلم القاضي من الالتزام بأحكام الأنظمة التي تُسيِّر حياة العامة ؛ من أنظمة المرور ورسوم تجاوزاتها ، ولا أنظمة الشؤون البلدية والأحوال المدنية ورسوم خدماتهما ، ولا أن يقفز القاضي على حقوق غيره من المواطنين بحيث يأتي آخراً فيكون أولاً ؛ لأنه لن يحتاج إلى ذلك لو أعطي حقوقه المفترضة .

- بل المراد من الحصانة : منع كل عائق يعوق القاضي عن نظر قضاياه ، وقطع كل سبيل يؤدي إلى التشويش عليه حتى لا يصل إلى الحكم الذي يراه حقاً .


= وهذا المبدأ لا يمكن تحقيقه بأنظمة مهلهلة ، ولا بتطبيقات مختلة ، ولا بحرم مستباح من مراجعه ، ولعلنا نبدأ باستعراض ما لا يتوافق مع مبدأ الحصانة من ممارسات مرجع القاضي ، فنقول :

أولاً/ مضى على صدور نظام القضاء الجديد أكثر من أربع سنوات ، ولم يصدر المجلس الموقر لائحة بأعمال المجلس ودوائره المعتمدة إدارياً المنصوص عليها في المادة السابعة من نظام القضاء ؛ حتى يعلم القضاة حدود وصلاحيات قيادات المجلس مفصلة .

ثانياً/ لم يستقر المجلس على صيغة نهائية للوائح التفتيش وأعمال الملازمين ، وضوابط اختيار القضاة والمفتشين ورؤساء المحاكم ، مما يجعل للاعتبارات غير النظامية مجالاً للأخذ بها في غياب الضوابط النظامية .

ثالثاً/ لم يفصل المجلس بصفة متقنة في لوائح التدريب ، ولا يزال المجلس يستقل بكوادره المندوبة عن أهل الاختصاص في أمور التدريب ، وهذا يعطل أهم مخرجات القضاء الناجح .

رابعاً/ لم يستطع المجلس البت في لائحة الشؤون الوظيفية للقضاة ، وهي المهمة الثانية ترتيباً في أعمال المجلس المحددة في المادة السادسة من نظام القضاء ، ولا يزال القضاة يترقبون أخبار هذه اللائحة التي مضى على اعتماد الأمر بإعدادها أكثر من خمس سنين ، بل إنهم ليتلقفون أي نبأٍ عنها ولو من غير مصادر العلم بها .

خامساً/ لا يزال كثير من قرارات المجلس تفتقد إجماع الأعضاء عليها ؛ مما يعني افتقاد المجلس لأدنى حدود التفاهم والتوافق بين أفراده ، ومثل هذا يعود بالسوء على سياسة المجلس للمسيرة القضائية .

سادساً/ لم تنضبط جلسات المجلس بحيث لا يزيد الفارق بين الجلستين عن شهرين ؛ كما جاء في المادة السابعة من نظام القضاء ؛ حتى يعلم القضاة مواعيد الجلسات ، فيحتاطوا لأعمالهم بدلاً من التحديد المفاجئ الذي يضطر القضاة لأخذ الإجازات تلو الإجازات للمراجعة والتعقيب .

سابعاً/ لم يُفعِّل المجلس طريقة التواصل - عن بعد - مع القضاة في جميع شؤونهم المتعلقة بالمجلس ؛ حتى لا يضطر القضاة لترك أعمالهم للمراجعة التقليدية .

ثامناً/ لم يصل المجلس في إعداد جدول أعماله إلى صورة تساعد أعضاءه على إنجاز مهماتهم بسرعة وإتقان ، مما جعل الجلسة الواحدة تمتد بضعة أيام دون نتيجة تتوافق مع مدة التأخير .

تاسعاً/ لم ينعتق المجلس من رق التقدير الخاطئ لظروف القاضي طالب النقل ، فكثيراً ما يخرمون شروط النقل لأسبابٍ لا ترقى لهتك الشروط المعتمدة .

عاشراً/ لا يزال المجلس متمسكاً بالقضاة المندوبين إليه مع مضي أكثر من سنتين على ندبهم دون الاستفادة منهم كما لو كان المندوبون فنيين وإداريين وباحثين من ذوي الخبرات المطلوبة .

- هذه الأمور العشرة تعيق سير المجلس كما ينبغي أن يكون عليه ، وهذا يعود على القضاة - من الداخل - بالضرر ، وعلى قضائهم بالخطر ، وهذان الأمران أضر ما يكون على مبدأ الحصانة القضائية .


= يأتي بعد ذلك ما حوته بعض الأنظمة القضائية من تحصين لقرارات المجلس عن الاعتراض ، وهذا التحصين الخاطئ من الأمور التي تؤخذ على تلك الأنظمة ؛ إذ كيف يتحصن قرار المجلس عن الاعتراض وهو قرار إداري بحت ، في الوقت الذي لا يتحصن ما هو أهم منه من القرارات الإدارية التي تمس أمن الدولة داخلياً وخارجياً ، بل إن بعضاً من القرارات غير المحصنة من الاعتراض ليعدل الواحد منها كثيراً من القرارات - المتخذة والسلبية - التي تصدر من المجلس .

- ولا يمكن أن تُعَدَّ اقتراحات المجلس بالترقية وإنهاء الخدمة من القرارات السيادية بعد موافقة الملك عليها ؛ لأن القرارات السيادية هي التي تصدر ابتداء من مقام الملك لأمور يراها محققة للمصلحة العامة .


= أما ما يصدر ابتداء من المجالس القضائية العليا :-

- فلابد من إخضاعها للقضاء الإداري خلال مدة محددة قبل الرفع للمقام الكريم .

- ولابد من تمكين من يتعرض لها من المطالبة بالتعويض عن الأضرار اللاحقة به من تلك القرارات ؛ كغيرها من القرارات الإدارية .

- ولابد من محاسبة كل من يتخذ قرارات معيبة ؛ حتى لا تعمل قرارات تلك المجالس على توريط المقام السامي الكريم في المظالم .


= ولعل أقرب مثال على سوء تحصين قرارات المجلس المثال الآتي :-
صدر اقتراح بإنهاء خدمة أحد القضاة من دائرة تأديب القضاة في المجلس ( بالأغلبية ) ، وعند العرض على المجلس رأى الأعضاء وجاهة ذلك الاقتراح بأغلبية صوتين ، فرفع القرار للموافقة عليه من مقام الملك يحفظه الله .

- إن مثل هذا القرار غير ذي موثوقية ؛ لأنه لم يحصل على إجماع دائرة التأديب ، ولا على إجماع المجلس ، ولا على أغلبية مطمئنة لصحة القرار ، بل إن المخالفين للقرار من أعمدة أعضاء المجلس وقت اتخاذ القرار .

- وإن مثل هذه التطبيقات المهزوزة هي التي تدعو إلى إعادة النظر في تحصين قرارات المجلس ؛ حتى لا تكون معولاً لهدم جدار الحصانة القضائية المعتبرة في جميع النظم القضائية .


= إننا في عهد مليكنا العادل نسعى لتحقيق أكبر المكاسب النظامية على مستوى العالم ، وإنا لقادرون - بإذن الله تعالى - على تحقيق ذلك ؛ ما دام مليكنا المفدى داعماً بقوة وبعزم وحزم فريدين لكل ما يدفع عجلة تطوير القضاء إلى الأمام .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4792 | تأريخ النشر : الأحد 3 ذو الحجة 1432هـ الموافق 30 أكتوبر 2011م

طباعة المقال

إرسال المقالة
(( التحصين .. والحصانة )) عندما تعتمد الأنظمة الدولية مبدأ حصانة القاضي فإنها إنما تهدف إلى توافر البيئة المناسبة لانطلاق القاضي - في رحلة التقاضي - نحو الحكم العادل ؛ دون تأثر ولا تأثير . - وليس المراد من الحصانة أن يسلم القاضي من الالتزام بأحكام الأنظمة التي تسير حياة العامة ؛ من أنظمة المرور ورسوم تجاوزاتها ، ولا أنظمة الشؤون البلدية والأحوال المدنية ورسوم خدماتهما ، ولا أن يقفز القاضي على حقوق غيره من المواطنين بحيث يأتي آخرا فيكون أولا ؛ لأنه لن يحتاج إلى ذلك لو أعطي حقوقه المفترضة . - بل المراد من الحصانة : منع كل عائق يعوق القاضي عن نظر قضاياه ، وقطع كل سبيل يؤدي إلى التشويش عليه حتى لا يصل إلى الحكم الذي يراه حقا . = وهذا المبدأ لا يمكن تحقيقه بأنظمة مهلهلة ، ولا بتطبيقات مختلة ، ولا بحرم مستباح من مراجعه ، ولعلنا نبدأ باستعراض ما لا يتوافق مع مبدأ الحصانة من ممارسات مرجع القاضي ، فنقول : أولا/ مضى على صدور نظام القضاء الجديد أكثر من أربع سنوات ، ولم يصدر المجلس الموقر لائحة بأعمال المجلس ودوائره المعتمدة إداريا المنصوص عليها في المادة السابعة من نظام القضاء ؛ حتى يعلم القضاة حدود وصلاحيات قيادات المجلس مفصلة . ثانيا/ لم يستقر المجلس على صيغة نهائية للوائح التفتيش وأعمال الملازمين ، وضوابط اختيار القضاة والمفتشين ورؤساء المحاكم ، مما يجعل للاعتبارات غير النظامية مجالا للأخذ بها في غياب الضوابط النظامية . ثالثا/ لم يفصل المجلس بصفة متقنة في لوائح التدريب ، ولا يزال المجلس يستقل بكوادره المندوبة عن أهل الاختصاص في أمور التدريب ، وهذا يعطل أهم مخرجات القضاء الناجح . رابعا/ لم يستطع المجلس البت في لائحة الشؤون الوظيفية للقضاة ، وهي المهمة الثانية ترتيبا في أعمال المجلس المحددة في المادة السادسة من نظام القضاء ، ولا يزال القضاة يترقبون أخبار هذه اللائحة التي مضى على اعتماد الأمر بإعدادها أكثر من خمس سنين ، بل إنهم ليتلقفون أي نبأ عنها ولو من غير مصادر العلم بها . خامسا/ لا يزال كثير من قرارات المجلس تفتقد إجماع الأعضاء عليها ؛ مما يعني افتقاد المجلس لأدنى حدود التفاهم والتوافق بين أفراده ، ومثل هذا يعود بالسوء على سياسة المجلس للمسيرة القضائية . سادسا/ لم تنضبط جلسات المجلس بحيث لا يزيد الفارق بين الجلستين عن شهرين ؛ كما جاء في المادة السابعة من نظام القضاء ؛ حتى يعلم القضاة مواعيد الجلسات ، فيحتاطوا لأعمالهم بدلا من التحديد المفاجئ الذي يضطر القضاة لأخذ الإجازات تلو الإجازات للمراجعة والتعقيب . سابعا/ لم يفعل المجلس طريقة التواصل - عن بعد - مع القضاة في جميع شؤونهم المتعلقة بالمجلس ؛ حتى لا يضطر القضاة لترك أعمالهم للمراجعة التقليدية . ثامنا/ لم يصل المجلس في إعداد جدول أعماله إلى صورة تساعد أعضاءه على إنجاز مهماتهم بسرعة وإتقان ، مما جعل الجلسة الواحدة تمتد بضعة أيام دون نتيجة تتوافق مع مدة التأخير . تاسعا/ لم ينعتق المجلس من رق التقدير الخاطئ لظروف القاضي طالب النقل ، فكثيرا ما يخرمون شروط النقل لأسباب لا ترقى لهتك الشروط المعتمدة . عاشرا/ لا يزال المجلس متمسكا بالقضاة المندوبين إليه مع مضي أكثر من سنتين على ندبهم دون الاستفادة منهم كما لو كان المندوبون فنيين وإداريين وباحثين من ذوي الخبرات المطلوبة . - هذه الأمور العشرة تعيق سير المجلس كما ينبغي أن يكون عليه ، وهذا يعود على القضاة - من الداخل - بالضرر ، وعلى قضائهم بالخطر ، وهذان الأمران أضر ما يكون على مبدأ الحصانة القضائية . = يأتي بعد ذلك ما حوته بعض الأنظمة القضائية من تحصين لقرارات المجلس عن الاعتراض ، وهذا التحصين الخاطئ من الأمور التي تؤخذ على تلك الأنظمة ؛ إذ كيف يتحصن قرار المجلس عن الاعتراض وهو قرار إداري بحت ، في الوقت الذي لا يتحصن ما هو أهم منه من القرارات الإدارية التي تمس أمن الدولة داخليا وخارجيا ، بل إن بعضا من القرارات غير المحصنة من الاعتراض ليعدل الواحد منها كثيرا من القرارات - المتخذة والسلبية - التي تصدر من المجلس . - ولا يمكن أن تعد اقتراحات المجلس بالترقية وإنهاء الخدمة من القرارات السيادية بعد موافقة الملك عليها ؛ لأن القرارات السيادية هي التي تصدر ابتداء من مقام الملك لأمور يراها محققة للمصلحة العامة . = أما ما يصدر ابتداء من المجالس القضائية العليا :- - فلابد من إخضاعها للقضاء الإداري خلال مدة محددة قبل الرفع للمقام الكريم . - ولابد من تمكين من يتعرض لها من المطالبة بالتعويض عن الأضرار اللاحقة به من تلك القرارات ؛ كغيرها من القرارات الإدارية . - ولابد من محاسبة كل من يتخذ قرارات معيبة ؛ حتى لا تعمل قرارات تلك المجالس على توريط المقام السامي الكريم في المظالم . = ولعل أقرب مثال على سوء تحصين قرارات المجلس المثال الآتي :- صدر اقتراح بإنهاء خدمة أحد القضاة من دائرة تأديب القضاة في المجلس ( بالأغلبية ) ، وعند العرض على المجلس رأى الأعضاء وجاهة ذلك الاقتراح بأغلبية صوتين ، فرفع القرار للموافقة عليه من مقام الملك يحفظه الله . - إن مثل هذا القرار غير ذي موثوقية ؛ لأنه لم يحصل على إجماع دائرة التأديب ، ولا على إجماع المجلس ، ولا على أغلبية مطمئنة لصحة القرار ، بل إن المخالفين للقرار من أعمدة أعضاء المجلس وقت اتخاذ القرار . - وإن مثل هذه التطبيقات المهزوزة هي التي تدعو إلى إعادة النظر في تحصين قرارات المجلس ؛ حتى لا تكون معولا لهدم جدار الحصانة القضائية المعتبرة في جميع النظم القضائية . = إننا في عهد مليكنا العادل نسعى لتحقيق أكبر المكاسب النظامية على مستوى العالم ، وإنا لقادرون - بإذن الله تعالى - على تحقيق ذلك ؛ ما دام مليكنا المفدى داعما بقوة وبعزم وحزم فريدين لكل ما يدفع عجلة تطوير القضاء إلى الأمام .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع