نشرت في صحيفة الوطن

قضائيات يقول الرب جل وعلا في محكم كتابه { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } .

- لقد حوت هذه الآية الكريمة قواعد هامة يمكن تطبيقها في كثير من العلوم والأنشطة الجماعية ؛ سواءٌ : على المستوى العام للدولة ، أو الخاص للمؤسسات والشركات وسائر المصالح العامة والخاصة .


= وبنظرة عامة على أفراد السلك القضائي العام والإداري : يبتهج القلب بما يتميزون به من مقومات النجاح ، وبما يملكونه من مهارات إبداعية ظهرت في اقتحامهم الكثير من ميادين العلم والمعرفة والبحث المعلوماتي العالمي .

- إن هؤلاء الأفذاذ من شبيبة وكهول القضاة السعوديين هم رأس مالٍ موثوقٌ وجاهزٌ للاستثمار به وفيه ، وليس في تأخير ذلك أي مصلحة تذكر ، فكان لزاماً على المؤسسة القضائية أن تفسح لهم جميع المجالات المتاحة لإبراز مواهبهم ، وإظهار قدراتهم ، ونشر معارفهم على نحوٍ لا يقدر عليه سواهم .


= لقد حضر عدد من القضاة خمس دورات تدريبية حتى الآن ، أربع منها في مجال التنمية الذاتية ، وواحدة في مجال التفتيش القضائي ، ولم يكن أولئك المدربون المستعان بهم لتطوير قدرات قضاتنا من داخل المرفق القضائي ، بل ظهر من حال مدرب إحدى هذه الدورات العجز التام عن تصور الموضوع الذي جيئ به من أجل تقريبه للقضاة الملتحقين بتلك الدورة ، فما كان من هذا المدرب إلا أن استدرك الأمر بتحويل الدورة إلى جلسات عصف ذهني ، وكان هو المستفيد الأول مما أثاره القضاة فيها من مشكلات وحلول وأساليب .


= لا نبالغ إذا قلنا إن أبناءنا القضاة هم خير من يتولى تلك المهام التدريبية في جميع الأنشطة القضائية ؛ لما يدركونه من خصوصيات المجتمع السعودي وقضاياه وأعرافه ، ولما يتميز به القضاء السعودي من استمداد حصري من أحكام الشريعة الإسلامية المبنية على الكتاب والسنة وعلى الأنظمة المرعية المبنية على المصالح المرسلة .


= إن القضاة الذين تميزوا في أدائهم القضائي لا يحتاجون إلا إلى إتقان طرق وأساليب التدريب ، وطرق تحضير الحقائب التدريبية ومكوناتها ، وانتقاء الوسائل التدريبية المساعدة ؛ ليتسنى لهم نقل خبراتهم ومعارفهم إلى سائر إخوانهم الملازمين القضائيين وأوائل القضاة المحتاجين للمدد العلمي .


= وعندما ننزل الأدب القرآني الكريم في الآية الكريمة السالفة على الجانب القضائي في بلادنا : نجد أن الله حظ أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على تطبيق هذا الأدب في أمر الفقه في الدين ، ومثل هذا الأدب الرباني متاح تطبيقه للأمة في موضوعات عدة ، ولعل من أهمها : التدريب القضائي . الذي هو مسلك من مسالك الفقه في الدين ، ولا يتحقق ذلك إلا بالمبادرة إلى اختيار نخبة من قضاة المحاكم في جميع التخصصات القضائية المعتمدة ؛ تحقيقاً لقول الله جل ثناؤه { مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } . على أن يتوافر في كلٍ منهم الأمور التالية :-

أولاً/ التميز في الأداء القضائي . ويمكن الاستدلال على ذلك من تقارير التفتيش وشهادات محكمة التمييز .

ثانياً/ الخيرة الكافية في التخصص الواحد ؛ بحيث لا يقل عن عشرين سنة خدمة قضائية في ذات التخصص ؛ ليكون متشبعاً بتخصصه ، ملماً بالكثير من جوانبه .

ثالثاً/ الإتقان اللازم لاستخدام وسائل التقانة الحديثة في البحث والتحليل ، والمشاركة في ميادينها المأمونة بشكلٍ صادق جاد ومثمر .

رابعاً/ الرغبة الصادقة في الاضطلاع بمهمة التدريب القضائي بعد الإلمام بأساليبه وطرقه .

خامساً/ القدرة اللغوية والنفسية على تولي مهمات التدريب ، وعلى استيعاب إشكالات الموضوعات وما يطرح من استفسارات .


= إن تحضير هذه النخب لتولي مهمة التدريب القضائي لن يتعدى الثلاثة أشهر لإدراك النظريات التدريبية وطريقة تطبيقها في الجانب القضائي ، وهو ما سيتحقق به قول الله جلت عظمته { لِيَتَفَقَّهُوا } ، وهذه المدة كفيلة أيضاً بتتميم الإعداد لقاعات التدريب وتكميلها بلوازمها ؛ مزامنة مع تهيئة المدربين .


= إن انتقاء الطلائع الأولى من القضاة المدربين لابد أن يكون من مناطق متعددة من مناطق المملكة ؛ ليتكفلوا بنقل الخبرات المتميزة إلى قضاة كل منطقة حيث يقيمون ، دون تحمل أيٍ منهم مشاق الأسفار البعيدة والطويلة ، وهو ما سيحقق قول الله تبارك وتعالى { وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ } .


= إن التدريب القضائي لا يقل رتبة عن التفتيش القضائي ؛ فتقويم أداء القضاة وتطويره أهم وأنبل من التقييم المجرد لأعمالهم ، وفي كلٍ خير إذ لا غنى عن الأمرين معاً ، وإن تفريغ مجموعة من القضاة لمهام التدريب لا يخرج بالمدرب عن العمل القضائي وقت قيامه بمهام التدريب ؛ كما هو الحال في التفتيش القضائي سواء بسواء ، ولذلك : يلزم إحداث إدارة عامة للتدريب ، تتولى إعداد المدربين وتأمين ما يلزم لعملهم ، والتحضير للدورات قبل عقدها ، وتنسيق الدورات وتوزيعها ، وتقييم أداء المدربين وتعزيزه .

- إن هذه الإدارة لابد وأن تكون نواة لمعهد التدريب القضائي الواجب الاستعداد لإنشائه منذ الآن ؛ أسوة بباقي الدول المتقدمة في أنظمتها القضائية ، والذي سيكون لنا حديث بشأنه قريباً بإذن الله تعالى .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5059 | تأريخ النشر : الأحد 5 ربيع الأول 1433هـ الموافق 29 يناير 2012م

طباعة المقال

إرسال المقالة
(( النفير القضائي )) يقول الرب جل وعلا في محكم كتابه { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } . - لقد حوت هذه الآية الكريمة قواعد هامة يمكن تطبيقها في كثير من العلوم والأنشطة الجماعية ؛ سواء : على المستوى العام للدولة ، أو الخاص للمؤسسات والشركات وسائر المصالح العامة والخاصة . = وبنظرة عامة على أفراد السلك القضائي العام والإداري : يبتهج القلب بما يتميزون به من مقومات النجاح ، وبما يملكونه من مهارات إبداعية ظهرت في اقتحامهم الكثير من ميادين العلم والمعرفة والبحث المعلوماتي العالمي . - إن هؤلاء الأفذاذ من شبيبة وكهول القضاة السعوديين هم رأس مال موثوق وجاهز للاستثمار به وفيه ، وليس في تأخير ذلك أي مصلحة تذكر ، فكان لزاما على المؤسسة القضائية أن تفسح لهم جميع المجالات المتاحة لإبراز مواهبهم ، وإظهار قدراتهم ، ونشر معارفهم على نحو لا يقدر عليه سواهم . = لقد حضر عدد من القضاة خمس دورات تدريبية حتى الآن ، أربع منها في مجال التنمية الذاتية ، وواحدة في مجال التفتيش القضائي ، ولم يكن أولئك المدربون المستعان بهم لتطوير قدرات قضاتنا من داخل المرفق القضائي ، بل ظهر من حال مدرب إحدى هذه الدورات العجز التام عن تصور الموضوع الذي جيئ به من أجل تقريبه للقضاة الملتحقين بتلك الدورة ، فما كان من هذا المدرب إلا أن استدرك الأمر بتحويل الدورة إلى جلسات عصف ذهني ، وكان هو المستفيد الأول مما أثاره القضاة فيها من مشكلات وحلول وأساليب . = لا نبالغ إذا قلنا إن أبناءنا القضاة هم خير من يتولى تلك المهام التدريبية في جميع الأنشطة القضائية ؛ لما يدركونه من خصوصيات المجتمع السعودي وقضاياه وأعرافه ، ولما يتميز به القضاء السعودي من استمداد حصري من أحكام الشريعة الإسلامية المبنية على الكتاب والسنة وعلى الأنظمة المرعية المبنية على المصالح المرسلة . = إن القضاة الذين تميزوا في أدائهم القضائي لا يحتاجون إلا إلى إتقان طرق وأساليب التدريب ، وطرق تحضير الحقائب التدريبية ومكوناتها ، وانتقاء الوسائل التدريبية المساعدة ؛ ليتسنى لهم نقل خبراتهم ومعارفهم إلى سائر إخوانهم الملازمين القضائيين وأوائل القضاة المحتاجين للمدد العلمي . = وعندما ننزل الأدب القرآني الكريم في الآية الكريمة السالفة على الجانب القضائي في بلادنا : نجد أن الله حظ أمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على تطبيق هذا الأدب في أمر الفقه في الدين ، ومثل هذا الأدب الرباني متاح تطبيقه للأمة في موضوعات عدة ، ولعل من أهمها : التدريب القضائي . الذي هو مسلك من مسالك الفقه في الدين ، ولا يتحقق ذلك إلا بالمبادرة إلى اختيار نخبة من قضاة المحاكم في جميع التخصصات القضائية المعتمدة ؛ تحقيقا لقول الله جل ثناؤه { من كل فرقة منهم طائفة } . على أن يتوافر في كل منهم الأمور التالية :- أولا/ التميز في الأداء القضائي . ويمكن الاستدلال على ذلك من تقارير التفتيش وشهادات محكمة التمييز . ثانيا/ الخيرة الكافية في التخصص الواحد ؛ بحيث لا يقل عن عشرين سنة خدمة قضائية في ذات التخصص ؛ ليكون متشبعا بتخصصه ، ملما بالكثير من جوانبه . ثالثا/ الإتقان اللازم لاستخدام وسائل التقانة الحديثة في البحث والتحليل ، والمشاركة في ميادينها المأمونة بشكل صادق جاد ومثمر . رابعا/ الرغبة الصادقة في الاضطلاع بمهمة التدريب القضائي بعد الإلمام بأساليبه وطرقه . خامسا/ القدرة اللغوية والنفسية على تولي مهمات التدريب ، وعلى استيعاب إشكالات الموضوعات وما يطرح من استفسارات . = إن تحضير هذه النخب لتولي مهمة التدريب القضائي لن يتعدى الثلاثة أشهر لإدراك النظريات التدريبية وطريقة تطبيقها في الجانب القضائي ، وهو ما سيتحقق به قول الله جلت عظمته { ليتفقهوا } ، وهذه المدة كفيلة أيضا بتتميم الإعداد لقاعات التدريب وتكميلها بلوازمها ؛ مزامنة مع تهيئة المدربين . = إن انتقاء الطلائع الأولى من القضاة المدربين لابد أن يكون من مناطق متعددة من مناطق المملكة ؛ ليتكفلوا بنقل الخبرات المتميزة إلى قضاة كل منطقة حيث يقيمون ، دون تحمل أي منهم مشاق الأسفار البعيدة والطويلة ، وهو ما سيحقق قول الله تبارك وتعالى { ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم } . = إن التدريب القضائي لا يقل رتبة عن التفتيش القضائي ؛ فتقويم أداء القضاة وتطويره أهم وأنبل من التقييم المجرد لأعمالهم ، وفي كل خير إذ لا غنى عن الأمرين معا ، وإن تفريغ مجموعة من القضاة لمهام التدريب لا يخرج بالمدرب عن العمل القضائي وقت قيامه بمهام التدريب ؛ كما هو الحال في التفتيش القضائي سواء بسواء ، ولذلك : يلزم إحداث إدارة عامة للتدريب ، تتولى إعداد المدربين وتأمين ما يلزم لعملهم ، والتحضير للدورات قبل عقدها ، وتنسيق الدورات وتوزيعها ، وتقييم أداء المدربين وتعزيزه . - إن هذه الإدارة لابد وأن تكون نواة لمعهد التدريب القضائي الواجب الاستعداد لإنشائه منذ الآن ؛ أسوة بباقي الدول المتقدمة في أنظمتها القضائية ، والذي سيكون لنا حديث بشأنه قريبا بإذن الله تعالى .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع