|
نشرت في صحيفة الوطن
قضائيات المجالس العليا في الدولة يشرف على تنظيم أعمالها أمانات عامة ، لها من الصلاحيات الداخلية الشيء الكثير ، ونفوذها أقوى من نفوذ الكثير من أعضاء تلك المجالس ، ولا يهيمن عليها غير رؤساء المجالس ونوابهم .= إن المهمة الخطيرة التي يضطلع بها أمناء المجالس العليا جعلت لهم الحق في أن تكون مراتبهم مساوية لمراتب أعضاء تلك المجالس ؛ حتى لا يكون لأحدٍ سلطة عليهم ممن يكبرهم مرتبة ؛ من غير الرؤساء ونوابهم ومساعديهم .
= لقد وفقت الكثير من المجالس العليا بأمناء ذوي كفاءة واقتدار ظهرا للعيان من انتظام سير أعمالها وفق نسق واحد غير متناقض ولا متباين ، ومن ظهور آثار التطوير الفني والإداري على مخرجات تلك الأمانات .
- وخير مثال نراه في بلادنا لتلك الأمانات الرائدة ما لا يغيب عنا خبرها كل أسبوع ، وهي الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، والتي هي خير مثال يحتذى للأمانة العامة .
- هذه الأمانة الموفقة لم يرهقها تكرار انعقاد مجلس الوزراء خمسين مرة في العام الواحد ، كما لم تضطرب أعمال الأمانة بكثرة ما تحويه جداول أعمال الجلسات ، ولا بتنوعها ، ولا بتعدد جهاتها ، ولا بشمولها جميع المصالح العامة في الدولة ، ولا بعظم شأن رئيس المجلس وأعضائه الأكارم .
- إن مجموع ساعات انعقاد مجلس الوزراء خلال العام الواحد قرابة المائة ساعة ؛ ففي كل يوم اثنين ينعقد المجلس مدة ساعتين في المعدل ، ويخرج منه على الفور ما يهم الوطن والمواطن من قراراتٍ في شتى نواحي الحياة العامة والخاصة ، الداخلية منها والخارجية .
- ولا نزال نرى - عبر شاشات التلفزة - أمام كل عضو من أعضاء هذا المجلس الرائد مجلداً حاوياً لأعمال الجلسة ؛ يتصفحه الأعضاء في الجلسة التي تسبق الانعقاد ، ويتدارسون مع زملائهم ما يرون التذكير به ، أو التأكيد عليه قبل بدء الجلسة . هذا هو حال أهم مجلسٍ أعلى في بلادنا ، وهذا حال أمانته العامة .
= ويأتي مجلس الشورى ثانياً في الأهمية والشمولية ، وهو الذي ينعقد بهيئته العامة مرتين كل أسبوع ؛ ليكون مجموع ساعات انعقاده في العام الواحد مائتين وخمسين ساعة ، ومع خطورة ما يبحثه من قضايا تهم الدولة ومن يعيش على أرضها في جميع المناحي - مضافاً إلى ذلك كون أعضائه مائة وخمسين عضواً - فقد كان انتظام عمل المجلس مشرفاً ، وإنجازه الكثير من القرارات ظاهراً ، وما كان له أن يحقق هذا لولا أن لأمانته العامة الدور الكبير في تسهيل وتيسير بحث تلك القضايا؛ بما توفره من حسن الإعداد ، وجودة التحليل ، وجمال الصياغة ، ودقة المتابعة .
= هذا هو حال الأمانتين العامتين للمجلس الأعلى للسلطة التنفيذية ، والمجلس الأعلى للسلطة التنظيمية ، وهما السلطتان اللتان تتوسطهما السلطة القضائية في جميع دول العالم .
= وبنظرة عابرة إلى المجلس الأعلى للقضاء نجد أن عليه أن يجتمع ست مرات في العام الواحد على الأقل ؛ بحسب المادة السابعة من نظام القضاء ، ولأن معدل أيام انعقاده في الجلسة الواحدة هو خمسة أيام ، في كل يومٍ منها ست ساعات تقريباً ، فإن ساعات عمل المجلس في العام الواحد لن تقل عن مائة وثمانين ساعة ، أي : أن ساعات عمل المجلس الأعلى للقضاء أكثر من ساعات عمل مجلس الوزراء ومع ذلك فهو أقل منه إنجازاً .
- كما أن عدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أقل من عدد أعضاء المجلسين اللذين قبله بكثير؛ خصوصاً : مجلس الشورى الذي يفوقه بأكثر من عشرة أضعاف ، وكذلك عدد مرات انعقاده أقل من مرات انعقادهما ؛ مما يوفر على أمانة المجلس الأعلى للقضاء الكثير من الجهد في متابعة الأعضاء والتحضير لأعمالهم ، ومع ذلك : فأمانة مجلس السلطة القضائية أقل كفاءة وتنظيماً وأداءً ، مع أن واجباتها محدودة بالنسبة لشقيقتيها أمانتي المجلسين السابقين ؛ لأنها لا تتعدى شؤون القضاء إلى غيرها من الاختصاصات التي تنوءان بها تلكما الأمانتان .
- وحتى يحظى القضاء والقضاة بخدمات أمانة المجلس الأعلى للقضاء كما ينبغي من مثلها فلابد من مراعاة الأمور التالية :-
أولاً/ على الأمانة تبليغ الأعضاء بالملفات التفصيلية للقضايا المعروضة على المجلس قبل انعقاده بمدة كافية ، ولتكن أسبوعاً على أقل تقدير ، ما دامت الفترة الافتراضية بين الجلستين في حدود الشهرين .
ثانياً/ لابد من تطوير التعامل مع الأعضاء باستخدام وسائل الاتصال الحديثة ؛ مثل : البريد الإلكتروني ، وليكن ذلك بصفة فورية ومتواكبة مع ما يستجد من أحداث ، وما ينتج من تحقيقاتٍ أو تحرياتٍ أو دراساتٍ طارئة .
ثالثاً/ الاهتمام بوجهات النظر المخالفة من الأعضاء ، وبما يقترحونه في سبيل تكامل العمل المشترك ، وإخضاعها للدراسة والتدقيق قبل بدء الجلسة ، وتبليغ الأعضاء بنتائج ذلك ؛ حتى تكتمل الصورة قبل النهائية لدى كلٍ منهم .
رابعاً/ التقيد - أثناء الجلسة - بحدود ما كفله النظام للأمين العام من عرض بنود جدول الأعمال ، دون التدخل في تفضيل أيٍ من الخيارات المطروحة للبحث ؛ إلا في إطار ما يأذن ببيانه رئيس الجلسة .
خامساً/ رصد جميع وجهات النظر الطارئة - أثناء الجلسة - بالمخالفة لما سبق إعداده ؛ حتى تبحثها قبل الجلسة اللاحقة ، أو الإسراع في تجهيز الإجابة عنها بالرجوع الفوري إلى ملفات التحضير لأعمال الجلسة ، والتي ينبغي أن يكون فيها الجواب عن كل احتمال - طارئ أو متوقع - قدر المستطاع .
سادساً/ الالتزام بكل ما يصدر من المجلس من ضوابط ، وتبليغها كاملة لمن يعنيهم الأمر بشفافية ووضوح ، ولزوم الرجوع إلى المجلس بشأن ما تراه الأمانة من شروطٍ أو قيودٍ إضافيةٍ لازمةٍ لحسن أداء خدمات المجلس ، وإعلانها على الفور .
سابعاً/ على الأمانة تفعيل دور بيوت الخبرة والباحثين والفنيين والإداريين المتخصصين - بحسب المادة الثامنة من نظام القضاء - كلٌ فيما يخصه ؛ دون الاقتصار على شباب القضاة فيما هم فيه معدودون من الهواة لا من المحترفين .
- إن تحقيق هذه الأمور سيكفل تقليل مدد انعقاد الجلسات ، كما سيتيح تكثير عددها عند اللزوم؛ لأن النظام نص على الحد الأدنى لعدد مرات الانعقاد لا على حدها الأعلى ، وكل ذلك لضمان أن تواكب جلسات المجلس كل حدث ، أو حاجة طارئة تهم القضاء والقضاة ، كما سيجعل جميع القضاة على بينةٍ من أمرهم ، لا كما يرونه اليوم من غموضٍ في بعض الإجراءات وتعقيدٍ في بعضها الآخر ، كما أن ذلك سيرفع من درجة أداء المجلس على نحوٍ أفضل .
= إن استشعار أمانة المجلس الأعلى للقضاء بأنها إنما أنشئت لتيسير شؤون القضاء ، ولتسهيل وصول القضاة إلى حقوقهم المناطة بالمجلس سيجعلها تسعى جاهدةً للقيام بما هو مطلوبٌ منها ؛ دون خروجٍ عما يجب عليها في حدود اختصاصها .
http://www.cojss.com/vb/showthread.php?9529
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4558 | تأريخ النشر : الأحد 26 ربيع الأول 1433هـ الموافق 19 فبراير 2012مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|