نشرت في مجلة اليمامة العدد 1919

قضائيات وَرَدَ إليَّ استشكالٌ من أخٍ كريمٍ يقول فيه : لازلتَ تُطالِبُ بتنظيم شؤون القضاء وبتقنين الأحكام ، في ذات الوقت الذي تشتكي فيه من عدم التطبيق للقليل الموجود من الأنظمة ؛ فما الفائدة من زيادة عدد الأنظمة ما دامت لا تُطبَق ؟!!! .

والحقُّ : أنَّ استشكال الأخ الفاضل وَرَدَ عليَّ قبل البدء في تحرير مقالات هذه الزاوية من هذه المجلة الموقرة ، وكنت قد ارتأيت تسميتها : همومٌ قضائية . ولو تأمَّل القارئُ الكريم المقالةَ الأولى في العدد 1878 بتاريخ 12/ 9/ 1426 هـ بعنوان ( الدوائر القضائية أقرب إلى العدل ) لوجد أنها خُتِمَت بما نصه : إنَّه هَمٌ في جُملةِ هُموم .

غير أني رأيت إبدال لفظ الهموم بالتطلُّعات ، التي هي همومٌ أيضاً ؛ غير أنها مصحوبةٌ بالفأل ، بخلاف الهمِّ المجرَّدِ الذي يقترن به اليأسُ عادةً .

كما أنَّ للتسمية أثرَها على كاتبها وقارئها ؛ فكاتب الهموم : يكون ضعيفاً مستكيناً مقتصراً على الشكوى وندبِ الحظِّ العاثر ، وليس لأحدٍ رغبةٌ في قراءة الهموم ؛ فكلٌ لديه ما يشغله منها في حياتيه العامة والخاصة .

أما كاتب التطلعات : فيكون قوياً مشرئباً يُورد المشكلةَ مقرونةً بالحلِّ ، ويذكر العثرةَ وما يجبرها ، وهذا ما ينشده القارئ العزيز ؛ سواءٌ : ممن بيده الحل والعقد ، أو ممن يستطيع مواساةَ صاحبِ المعاناة أو تسليته أو التوجُّعَ له ، وفي كلٍ خير .

ولن يعدم الجميعُ خيراً فيما يكتبه المختصون - من أبناء هذه البلاد المباركة - الحريصون على خير بلادهم ونمائها واستقرارها وأمنها .
وأفضلُ سبيلٍ لتحقيق الأمن والنماء الوظيفي - في القضاء وغيره - هو تدقيقُ تطبيقات الأنظمة القائمة أولاً ، ثم العمل على تطويرها وتحديثها ، ولذلك يكثر - هنا - الدعوةُ لِسَنِّ الأنظمة المفقودة ، والمحاسبة على تطبيق الأنظمة الموجودة .

وإني لأرجو أن تجدَ هذه التطلعاتُ أصداءها لدى القراء الأفاضل ؛ ليقفوا على ما يعانيه الجهاز القضائي من : نقصٍ في أعداد القضاة تَسبَّبَ في ازدحام الأعمال ، ومن : فراغٍ قانونيٍ تَسبَّبَ في اضطراب الأحكام وتعدُّد الاجتهادات ، ومن : خللٍ إشرافيٍ تسبَّب في النزيف الحاد في تطبيقات أنظمة القضاء ، أسوةً بما وَجَدَتْهُ التطلعات من أصحاب الشأن من القضاة وأعوانهم ، ومن المحامين والمستشارين من كثيرٍ من الدوائر الحكومية ، وكما لَقِيَتْهُ من متابعةٍ كريمةٍ من طلائع جيوش المجتمع وعيونه الباحثين عن رخاء واستقرار الدولة - من الصحفيين والنقَّاد – الذين يرون أنَّ فيها نشراً للثقافة القضائية المحجوبة عن غير المعنيين بها ، وأنَّ فيها تبصيراً لجوانب القصور التنظيمي والتطبيقي في المجال القضائي ، مصحوباً باقتراحاتٍ تعمل على سَدِّ الثغرات وتكميل النقوص من ذات البضاعة التي يتداولها ( طرفي النقد ) ، لا من غيرها ؛ مما يمكن النفور والتنفير منه ، أو استغرابه والنكير على من يدعو إليه .

أما من الجانب الرسمي فأؤملُ أن يكونَ لصفحة التطلعات حضورٌ لدى المسؤولين ؛ فقد بلغني : أنَّ بعضَهم يتابع قراءتها بنفسه ، وبعضَهم يسمع لمن يقرؤها عليه ، وآخرين يطَّلعون على ملخصاتها ، كما بلغني : أنَّ ردودَ الأفعال تجاه ما ينشر فيها ما بين مُؤَيِّدٍ ومتابعٍ .

وكان آخر رَدِّ فعلٍ رسميٍ نحوها هو ما تسطَّر في خطاب معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان ، الأستاذ / تركي بن خالد السديري - وفقه الله - وفيه بعد المقدمة : اطلعنا على ما قمتم بكتابته في مجال القضاء والمحاكم الشرعية وأهميتها في حياة المواطن والمقيم ، وإننا نُثَمِّنُ لكم ما قمتم بكتابته وهو محل تقديرنا واهتمامنا ، ونتمنى استمرارَ أواصرِ التعاون والتفاهم بيننا في هذا المجال لارتباطه الوثيق بأهداف هيئة حقوق الإنسان السامية التي أنشئت من أجلها . انتهى نص المقصود .

هذه قصة التطلعات من البداية ، وإنني - إذ أُوَائِمُ بين الدعوة إلى : تنظيم أمور الناس بِسَنِّ القوانين والأنظمة اللازمة لتسيير شؤونهم ، وبين : الحثِّ على حسن التطبيق للموجود من الأنظمة - لأتطلَّعُ على تَحَقُّقِ أمرين معاً هما :

الأول / تجديدُ وتحديثُ الأنظمة العتيقة ، والتي بعضها تجاوز عمره الخمسين عاماً ، وأحدثها سناً في بحر الأربعين عاماً ، ومع ذلك تجدُ هذه الأنظمةُ صدوداً أو إعراضاً عن تطبيق محتواها ، ولا أقول عجزاً عن تطبيقها ؛ فنصوصها واضحةٌ ، وموادها قليلةٌ ، وأعدادُ من يُراد تطبيقها عليهم غايةٌ في القلة ؛ بالنسبة لمنسوبي الدوائر الأخرى داخل الدولة ، وبالنسبة لمن يماثلهم في الدول المجاورة والصديقة .

الأمر الثاني / تدقيقُ تطبيقات الجهات القضائية للأنظمة الموجودة القائمة الآن ؛ ضماناً لمصلحة القضاء وحقوق القضاة ؛ خصوصاً بعد الإيضاح السابق لأوجه الخلل والقصور في التطبيق ، والذي يدل حدوثه على وجود مشكلةٍ تستلزم حلاً ، كما يدل الإصرار عليه وتكراره على تعمُّد إيقاعه مخالفاً لما شاءت الدولة - وفقها الله - أن يكونَ عليه ، وكيف لا !!! ، وقد تخصصت هذه الصفحة في بيانِ أوجه المخالفات موثقةً بالنصِّ الدَّالِ عليها من الأنظمة المرعية .

- فأين العذر إذاً ؟.

- وإلى متى نرضى إظهار النقص والعجز في قضائنا وشرعنا وقوانيننا عن مواكبة التطورات ؟.

- وإلى متى نُعطي الدَنِيَّةَ في أنظمتنا فنسكت عمن يتجاهلها بل يضرب بها عرض الحائط ولا يعمل بها ؟.

- وإلى متى والضحايا يترددون طالبين النظر في ما أُوقِعَ عليهم من قراراتٍ تعسفيةٍ فلا يجدون حيلةً ؟.

هي في الحقيقة همومٌ ، ولكني لا زلت أعدُّها تطلعاتٍ ، وسأظلُّ كذلك . والله من وراء القصد .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3599 | تأريخ النشر : السبت 17 رجب 1427هـ الموافق 12 أغسطس 2006م

اضغط هنا للحصول على صورة المقالة

طباعة المقال

إرسال المقالة
هموم أم تطلعات ورد إلي استشكال من أخ كريم يقول فيه : لازلت تطالب بتنظيم شؤون القضاء وبتقنين الأحكام ، في ذات الوقت الذي تشتكي فيه من عدم التطبيق للقليل الموجود من الأنظمة ؛ فما الفائدة من زيادة عدد الأنظمة ما دامت لا تطبق ؟!!! . والحق : أن استشكال الأخ الفاضل ورد علي قبل البدء في تحرير مقالات هذه الزاوية من هذه المجلة الموقرة ، وكنت قد ارتأيت تسميتها : هموم قضائية . ولو تأمل القارئ الكريم المقالة الأولى في العدد 1878 بتاريخ 12/ 9/ 1426 هـ بعنوان ( الدوائر القضائية أقرب إلى العدل ) لوجد أنها ختمت بما نصه : إنه هم في جملة هموم . غير أني رأيت إبدال لفظ الهموم بالتطلعات ، التي هي هموم أيضا ؛ غير أنها مصحوبة بالفأل ، بخلاف الهم المجرد الذي يقترن به اليأس عادة . كما أن للتسمية أثرها على كاتبها وقارئها ؛ فكاتب الهموم : يكون ضعيفا مستكينا مقتصرا على الشكوى وندب الحظ العاثر ، وليس لأحد رغبة في قراءة الهموم ؛ فكل لديه ما يشغله منها في حياتيه العامة والخاصة . أما كاتب التطلعات : فيكون قويا مشرئبا يورد المشكلة مقرونة بالحل ، ويذكر العثرة وما يجبرها ، وهذا ما ينشده القارئ العزيز ؛ سواء : ممن بيده الحل والعقد ، أو ممن يستطيع مواساة صاحب المعاناة أو تسليته أو التوجع له ، وفي كل خير . ولن يعدم الجميع خيرا فيما يكتبه المختصون - من أبناء هذه البلاد المباركة - الحريصون على خير بلادهم ونمائها واستقرارها وأمنها . وأفضل سبيل لتحقيق الأمن والنماء الوظيفي - في القضاء وغيره - هو تدقيق تطبيقات الأنظمة القائمة أولا ، ثم العمل على تطويرها وتحديثها ، ولذلك يكثر - هنا - الدعوة لسن الأنظمة المفقودة ، والمحاسبة على تطبيق الأنظمة الموجودة . وإني لأرجو أن تجد هذه التطلعات أصداءها لدى القراء الأفاضل ؛ ليقفوا على ما يعانيه الجهاز القضائي من : نقص في أعداد القضاة تسبب في ازدحام الأعمال ، ومن : فراغ قانوني تسبب في اضطراب الأحكام وتعدد الاجتهادات ، ومن : خلل إشرافي تسبب في النزيف الحاد في تطبيقات أنظمة القضاء ، أسوة بما وجدته التطلعات من أصحاب الشأن من القضاة وأعوانهم ، ومن المحامين والمستشارين من كثير من الدوائر الحكومية ، وكما لقيته من متابعة كريمة من طلائع جيوش المجتمع وعيونه الباحثين عن رخاء واستقرار الدولة - من الصحفيين والنقاد – الذين يرون أن فيها نشرا للثقافة القضائية المحجوبة عن غير المعنيين بها ، وأن فيها تبصيرا لجوانب القصور التنظيمي والتطبيقي في المجال القضائي ، مصحوبا باقتراحات تعمل على سد الثغرات وتكميل النقوص من ذات البضاعة التي يتداولها ( طرفي النقد ) ، لا من غيرها ؛ مما يمكن النفور والتنفير منه ، أو استغرابه والنكير على من يدعو إليه . أما من الجانب الرسمي فأؤمل أن يكون لصفحة التطلعات حضور لدى المسؤولين ؛ فقد بلغني : أن بعضهم يتابع قراءتها بنفسه ، وبعضهم يسمع لمن يقرؤها عليه ، وآخرين يطلعون على ملخصاتها ، كما بلغني : أن ردود الأفعال تجاه ما ينشر فيها ما بين مؤيد ومتابع . وكان آخر رد فعل رسمي نحوها هو ما تسطر في خطاب معالي رئيس هيئة حقوق الإنسان ، الأستاذ / تركي بن خالد السديري - وفقه الله - وفيه بعد المقدمة : اطلعنا على ما قمتم بكتابته في مجال القضاء والمحاكم الشرعية وأهميتها في حياة المواطن والمقيم ، وإننا نثمن لكم ما قمتم بكتابته وهو محل تقديرنا واهتمامنا ، ونتمنى استمرار أواصر التعاون والتفاهم بيننا في هذا المجال لارتباطه الوثيق بأهداف هيئة حقوق الإنسان السامية التي أنشئت من أجلها . انتهى نص المقصود . هذه قصة التطلعات من البداية ، وإنني - إذ أوائم بين الدعوة إلى : تنظيم أمور الناس بسن القوانين والأنظمة اللازمة لتسيير شؤونهم ، وبين : الحث على حسن التطبيق للموجود من الأنظمة - لأتطلع على تحقق أمرين معا هما : الأول / تجديد وتحديث الأنظمة العتيقة ، والتي بعضها تجاوز عمره الخمسين عاما ، وأحدثها سنا في بحر الأربعين عاما ، ومع ذلك تجد هذه الأنظمة صدودا أو إعراضا عن تطبيق محتواها ، ولا أقول عجزا عن تطبيقها ؛ فنصوصها واضحة ، وموادها قليلة ، وأعداد من يراد تطبيقها عليهم غاية في القلة ؛ بالنسبة لمنسوبي الدوائر الأخرى داخل الدولة ، وبالنسبة لمن يماثلهم في الدول المجاورة والصديقة . الأمر الثاني / تدقيق تطبيقات الجهات القضائية للأنظمة الموجودة القائمة الآن ؛ ضمانا لمصلحة القضاء وحقوق القضاة ؛ خصوصا بعد الإيضاح السابق لأوجه الخلل والقصور في التطبيق ، والذي يدل حدوثه على وجود مشكلة تستلزم حلا ، كما يدل الإصرار عليه وتكراره على تعمد إيقاعه مخالفا لما شاءت الدولة - وفقها الله - أن يكون عليه ، وكيف لا !!! ، وقد تخصصت هذه الصفحة في بيان أوجه المخالفات موثقة بالنص الدال عليها من الأنظمة المرعية . - فأين العذر إذا ؟. - وإلى متى نرضى إظهار النقص والعجز في قضائنا وشرعنا وقوانيننا عن مواكبة التطورات ؟. - وإلى متى نعطي الدنية في أنظمتنا فنسكت عمن يتجاهلها بل يضرب بها عرض الحائط ولا يعمل بها ؟. - وإلى متى والضحايا يترددون طالبين النظر في ما أوقع عليهم من قرارات تعسفية فلا يجدون حيلة ؟. هي في الحقيقة هموم ، ولكني لا زلت أعدها تطلعات ، وسأظل كذلك . والله من وراء القصد .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع