|
فقهيات الحمد لله وحده ، وبعد : فقد ذكر ابن فارس في كتابه المقاييس في اللغة : أن مادة ( و . ق . ف ) في لغة العرب : أصل واحد يدل على تمكُّثٍ في شيءٍ .
ومنه : القيام من جلوس ، والسكون بعد المشي .
ومنه : ما ذكره ابن منظور في لسان العرب 9/360 ونصُّه ( .. .. وقفتُ على ما عند فلان . تريد : قد فهمتُه وتبينتُه ، ورجلٌ وقَّاف : متأنٍ غيرُ عجلٍ .. ..
وفي حديث الحسن * إن المؤمن وقَّاف متأنٍ ، وليس كحاطب الليل *
والوقَّاف : الذي لا يستعجل في الأمور . وهو فعَّال من الوقوف . انتهى
والوَقْفَة : المرَّة الواحدة من الوقوف ، وجمعها وقَفَات .
جاء في مصنف ابن أبي شيبة 7/448 ما نصه ( قال حذيفة : إن للفتنة وَقَفَات وبَعَثَات ؛ فإن استطعت أن تموت في وَقَفَاتها فافعل ) .
وفي أثرٍ آخر له 7/451 جاء ما نصه ( .. .. قيل لحذيفة : ما وَقَفَات الفتنة ؟ وما بَعَثَاتها ؟ . قال : بَعَثَاتها سَلُّ السيف ، ووَقَفَاتها إغماده ) . انتهى
وللوَقَفَات في هذه الزاوية علاقة باختصاص المجلة ؛ وهي : تَضَمُّنُّهَا الدعوةَ إلى تأمُّلِ أمرٍ تعبُّديٍ ، أو معاملةٍ ماليَّةٍ ، أو قضيةٍ أسريَّةٍ ، أو من أمورِ الولايات الشرعية . مع الالتزام بدعم الوَقَفَاتِ الثلاثِ بالأدلة ؛ من الكتاب ، أو السنة ، أو أقوال السلف .
وأولُ دعوةٍ في هذه الوَقَفَات : لمن له ملاحظة على ما يَرِدُ فيها : أنْ لا يمنع ما يراه صواباً فيرشدَ إليه ؛ إما : برسالة يتفضَّل بها إلى إدارة المجلة ، أو باتصالٍ عبر الهاتف بالمسؤول عن التحرير ، أو بالبريد الإلكتروني الموضَّح أعلى الصفحة .
نسأل الله التوفيق لنا ولكم ولجميع المسلمين إلى كُلِّ ما يُحِبُّهُ الله ويرضاه .
الوقفة الأولى : الجمعيَّات الخيريَّة ، والتبُّرع بالدِّيون .
تقوم الجمعيات الخيرية في جميع الأنحاء بِمَا تُخَصِّصُهُ الدُّوَلُ لها من ميزانياتٍ تَفِيْ ببعض نشاطاتها وإسهاماتها والتزاماتها .
والاعتماد الأساسُ لهذه الجمعيات : على التبرعات الخاصة والعامة من المؤسسات والشركات والأفراد ؛ من صدقاتٍ وزكواتٍ .
ولو تَـمَّ إحصاء الديون التي يصعب على أصحابها استيفاؤها لمطلٍ أو جحودٍ لبلغت أرقاماً كبيرة جداً ؛ فلو تنازل مستحقُّوها عنها لتلك الجمعيات الخيرية ، وقامت تلك الجمعيات بتحصيل تلك الديون : لَعَادَت بالفائدة على جميع أطرافها على النحو التالي :
الأول / المدين نفسه : فهو أول المستفيدين ؛ وذلك : بإعانته على سداد دينه ، وقَسْرِهِ على إبراء ذمته في حياته ؛ ولا يمكن عاقلاً نسيانُ ما على المدين إذا مات ولم يقض دينَه .
فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه * أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِيهِمْ ، فَذَكَرَ لَهُمْ : أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ . فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ . إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كَيْفَ قُلْتَ ؟ . قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ . وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ إِلا الدَّيْنَ ؛ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِي ذَلِكَ *
وروى مسلم أيضاً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ * يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ *
وروى أيضاً عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم * مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلاثٍ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ *
وروى أيضاً عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ، فَيَسْأَلُ : هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ ؟ ، فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً : صَلَّى عَلَيْهِ . وَإِلا قَالَ : صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ .. .. * الْحَدِيثَ
الثاني / المدين أيضاً : فمِمَّا يستفيده من هذه الجمعيات : الإرفاقُ به ، وتيسيرُ السداد عليه ؛ تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلم * مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا : نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ : يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .. .. * الحديث . رواه مسلم .
الثالث / الدائن الأصلي . وفائدته هنا : تخليصُه من هَمِّ الدَّين الذي له في ذمة غريمه المماطل ، وإراحتُه من متابعة أمر سداده ، وطمأنتُه على مصير ماله ؛ بأيلولتِه إلى جهةٍ هي أحقُّ من المدين ؛ فتطيبُ نفسُه ، ويرتاحُ بالُه ؛ على عدم إضاعتِهِ المالَ ؛ الذي سعى في جمعه وتحصيله ، ولِيَسْلَمَ من الاستطالة في عِرضِ صاحبه الذي مَطَلَهُ أو جَحَدَهُ ولِيَسْلَمَ صاحبُه من جَهْرِهِ عليه بالسُّوْءِ لِسَبْقِ ظُلْمِهِ إياه ؛ إذ بهبة الدين ينتقل الحق الذي للواهب إلى الموهوب له ؛ فلا يبقى للواهب لدى المدين حقٌ يستحق به مطالبته إياه ، أو الاستعداء عليه .
الرابع / خزائن الجمعيات . والفائدة التي تعود عليها هي : إثراؤها بالأقساط المحصَّلة من الغرماء ؛ والتي تُشكِّل رافداً ثابتاً ؛ تبني عليه الجمعياتُ خُطَطَها القابلةَ في تطوير مشاريعها ، وتنويع خدماتها .
والدعوة في هذه الوقفة / موجهة لوزارات الشؤون الإسلامية والأوقاف ، كما هي موجهة أيضاً للجامعات ، والمعاهد العلمية البحثيَّة ، ومراكز الأبحاث العمليَّة المتخصِّصة للنفع العام ؛ الطبية وغيرها . ويمكن هذه الجهات الاستعانةُ بمحصِّليِّ الديون وبمكاتب وكلاء التقاضي ( المحاماة ) ؛ للتفاهم مع الغرماء بشأن إثبات وتسوية تحصيل هذه الديون ، وتوزيع الأقساط ، وكيفية سدادها . وفق الله الجميع لكل ما يحبه الله ويرضاه .
(( وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ))
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3712 | تأريخ النشر : الخميس 7 رجب 1421هـ الموافق 5 أكتوبر 2000ماضغط هنا للحصول على صورة المقالة
إرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|