نشرت في صحيفة الإقتصادية العدد 4759

عام تلقيت دعوةً كريمةً من زميلنا د. مقبل بن صالح بن أحمد الذكير . عبر مقالته المنشورة يوم السبت الموافق 23/08/1427 في العدد (4723) من هذه الصحيفة بعنوان ( ملاحظات في تداول الأسهم عبر البنوك! ) يدعو فيها سعادته إلى : البدء في تأسيس جمعيةٍ مدنيةٍ لحماية المستهلكين ، أو : تكوين هيئةٍ وطنيةٍ خيريةٍ لحماية حقوق المساهمين ومقاضاة المعتدين ، وكما سرتني دعوته الكريمة فإنَّ ما ارتآه مما يسعدني المشاركة في تحقيقه وتطبيقه ؛ بعد اكتمال متطلباته النظامية .

وليأذن لي أخي الكريم في الإبحار بعيداً عن الجمعية المدنية أو الهيئة الوطنية ؛ لنسبر معاً حالة السوق السعودي للأسهم ؛ حتى نضع أيدينا على عوامل اضطرابه ، حيث سنرى - لا محالة - الآتي :-

أولاً/ يشرف على سوق المال السعودية هيئةٌ حديثةُ عهدٍ بمهام أسواق الأسهم وذاتُ خبرةٍ قليلةٍ بممارسات روادها .

ثانياً/ النظام الحاسوبي لسوق المال السعودية لا يرقى إلى المستوى المطلوب للسوق السعودية ؛ لا من حيث كمية التداول وعدد الصفقات اليومية ، ولا من حيث تنامي أعداد المتداولين ؛ يشهد لذلك أعطال النظام المتكررة في أوقات الذروة .

ثالثاً/ يسيطر على سوق الأسهم أفرادٌ من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ، تعارف الناس على تسميتهم بـ ( الهوامير ) ، وكذا مجموعاتٌ متآمرة فيما بينها من أصحاب رؤوس الأموال المتوسطة ، ويسمونهم العامة بـ ( القروبات Groups ) .

رابعاً/ يساعد الهوامير والقروبات - في صولاتهم وجولاتهم للسيطرة على السوق والتأثير على صغار المضاربين - مجموعاتٌ من المأجورين لديهم ، ووظيفة هؤلاء الأولى : ترغيب المتداولين في شراء سهمٍ يريد الهامور التخلص منه وبيعه بأسعارٍ عالية ؛ ووسائلهم في ذلك : الثناء على أداء الشركة ، وتلفيق التصريحات السارة عن المسؤولين فيها ، وتزوير معلومات مؤشرات السهم ، واختلاق الأخبار حول صعوده ، ويسمى ذلك كله بـ ( التطبيل ) ، والوظيفة الثانية لهؤلاء النَّجَّاشون : التنفير من سهمٍ يريد الهامور شراءه وتجميعه بأقل مما يستحق ؛ ووسائلهم في ذلك : التحذير من السهم ، وبث الإشاعات حول تدني مؤشراته ، أو التنفير من وضع السوق بأكمله ، ويسمى كل ذلك ( الإرجاف ) . وميادين عمل هؤلاء المطبلين والمرجفين النَّجَّاشين هي : المجالس ، والاستراحات ، وعبر رسائل الجوال ، وفي منتديات الأسهم في شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت ) .

خامساً/ بإمكان أيٍ من كبار المضاربين ( الهوامير ) التأثير على السوق بنفسه ، أو بتضامنه مع حلفائه بإغراق السوق بعشرات الألوف من سهمٍ بعينه ، وإنزال المؤشر إلى مستوياتٍ ترعب صغار المضاربين ؛ فيتدافع هؤلاء المُغَرَّرُ بهم على الخروج من السوق لتحصل الكارثة ؛ التي لن ينجو من آثارها إلا من تسبب فيها ( الهامور ) حيث يعود إلى شراء أسهمه بأقل مما باعها به .

سادساً/ يشرف على محافظ الهوامير والمحافظ البنكية نخبةٌ من أمهر المستشارين الماليين الوافدين وبعض المواطنين المتأثرين بسلوكياتٍ لا تتفق مع هدي الإسلام في الاتجار ؛ وكلهم أناسٌ ذوو خبرةٍ ودرايةٍ بأحدث ألاعيب واحتيالات التداول العالمية ؛ الأمر الذي لا ترقى إليه خبرات ودراسات واستشارات هيئة سوق المال إلا بعد فترةٍ من حصول تلك الألاعيب وظهور آثارها على السوق وعلى صغار المضاربين .

سابعاً/ يظهر نوعٌ من التخبط في بعض قرارات الهيئة ؛ فقد تُقَرِّرُ منع أحد المتلاعبين ثم تلغي قرار المنع فجأة ، وقد تقرر منعه من الشراء دون البيع !!! ، مما يساعده على الإطاحة بالسوق .

ثامناً/ لا تزال أحكام وأنظمة وقوانين التداول في السوق السعودية دون المستوى المطلوب ؛ الأمر الذي نشهد معه تكرار المخالفات وهشاشة المؤاخذات ورخاوة العقوبات ، و ( من أمن العقوبة أساء التصرف ) .

تاسعاً/ لا تكاد ترى تنسيقاً جاداً بين الهيئة ومؤسسة النقد العربي السعودي في تنفيذ قرارات الهيئة ومتابعة ذلك ؛ إذ يمكن لكل موقوفٍ أن يعمل عبر محفظةٍ أخرى غير التي تعرضت للإيقاف ، أو أن يفتح محفظة أخرى جديدة ، أو أن ينقل السيولة المالية من محفظته إلى محفظة شخصٍ آخر .

عاشراً/ يعمد الهوامير إلى افتعال أزمات السوق والتلاعب بالأسعار ( نزولاً وارتفاعاً ) كما يحلو لهم ؛ دون أيِّ تدخلٍ من الهيئة في الوقت المناسب للتدخل ، بسبب ضعف نظام مراقبة التداول ، وتخاذل أجهزة الرقابة المركزية في تطبيق العقوبات .

حادي عشر/ عقوبات الهيئة تنحصر في غراماتٍ عائدها لصندوق الهيئة ، أو في إيقافاتٍ متهالكةٍ للمخالفين ، وهذه العقوبات لا تنفع المتضررين من صغار المضاربين بشيء ، ولا تمنع الهوامير من تكرار مخالفاتهم ؛ ما دامت الغرامة أقل بكثير من مقدار الفائدة التي جنوها بمخالفاتهم .

ثاني عشر/ تمارس المحافظ البنكية المضاربة بالبيع والشراء مُزَاحِمَةً في ذلك صغار المضاربين ؛ وهي محافظ كبيرة ، ومجموع مبالغها فوق طاقة السوق اليومية ؛ مما يجعلها ظاهرة التأثير على مسار السوق عند أدنى حركةٍ منها ، ومن المعلوم أن مثل هذه المحافظ حقها الاستثمار لا المضاربة .

هذه الأمور - في نظري - من أهم عوامل اضطراب السوق وعدم انضباطه بالمستوى المأمول ، غير أنه من الممكن معالجة هذا القصور الظاهر بدراسة تطبيق الأمور التالية :-

1/ استيراد أحدث وأرقى نظام تداول في العالم ، واستقدام أفضل الخبرات لتشغيله وتطويره وتدريب الكفاءات الوطنية عليه أياً كانت كلفتها ؛ فموارد نظام التداول قادرةٌ على استيعاب ذلك .

2/ إعادة تنظيم مهام الهيئة ، وإلغاء صلاحيات رفع الإيقاف قبل انتهاء مدته النظامية ، وحوسبة جميع القرارات الإدارية والجزائية ؛ بحيث تقع وترتفع آلياً بموجب النظام ، وبلا تمييز .

3/ دراسة كيفية تطبيق وقف التداول وإلغاء التداولات عند حدوث أيِّ طارئٍ يؤثر على حركة كامل السوق وأسعار الأسهم ؛ مثل : التمرد الجماعي للهوامير ، أو حصول خللٍ في نظام التداول ، أو دخول الدولة في حالة طوارئ لا سمح الله ، أو حدوث أمرٍ عالميٍ بالغ التأثير .

4/ دراسة تطبيق عقوبات تجميد الأرصدة في حقِّ المخالفين ؛ حتى يلتزموا بآداب التداول ، وإيقافهم عن التداول بيعاً وشراءً ؛ حتى لا يؤثروا على مسار السوق .

5/ يراعى في تغريم المخالف أن تتلاءم الغرامة مع ما جناه من مخالفته ؛ بإلغاء عمليات البيع والشراء الناشئة عن المخالفة ؛ تحقيقاً للقاعدة الشرعية ( من تَعَجَّلَ شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه ) .

6/ في المضاربات اليومية يجب منع الهوامير ومحافظ البنوك من بيع ما زاد عن 5 % من موجودات محافظهم خلال فترة التداول اليومية ؛ حتى لا يتضامنوا لإسقاط السوق والفتك بالمساهمين .

7/ إلغاء أمر البيع بسعر السوق ( Market ) من بين أوامر التداول ؛ لكونه السبب في تدهور السوق عند اندفاع المضاربين للبيع ، بعد تسريب شائعةٍ مغرضة أو ترويج إرهابٍ خادع .

8/ منع البنوك من إعطاء تسهيلاتٍ بأكثر من رأس المال ، وتحميل البنك المخالف مسؤولية ما زاد عن ذلك .

9/ المنع من إلغاء المتداولين أوامر الشراء والبيع قبل مضي ( نصف ساعة تداول ) على كونها متاحةً قابلةً للتنفيذ على الآمر بها أثناء فترة التداول ؛ حتى لا تستخدم في إغراء أو إرهاب المضاربين .

10/ من الممكن تحديد مدةٍ معقولةٍ يُفتح بعدها نسبةُ التذبذب في البيع والشراء دون تحديد ؛ عقب استقرار حال السوق ، وتفاعل المضاربين مع المحافظ الاستثمارية المأمونة ، وانتشار ثقافة الاستثمار بين المتداولين .

هذا - في نظري - هو ما يمكن أن يكون سبيلاً لحلٍ جذريٍ عاجلٍ لمشكلات سوق الأسهم السعودي .

أما المتضررين من صغار المضاربين ( وهم من كانوا يضاربون فيما دون المليون ريال ) فإنَّ كثيراً منهم حديث عهدٍ بالمضاربة ، بل إن بعضهم باع منزله أو سيارته أو حلي زوجته أو استدان على راتبه ؛ ليحقق أحلام الثراء ، فما لبث أن فجعته الخسارة الكبيرة ، وعلاج مشكلات هؤلاء البائسين من نكبات السوق الأعجف في هذا العام المالي يتلخص في أمرين :

الأول : حصر المتضررين من صغار المضاربين ؛ وهم الذين زادت خسائرهم على 33.33 % من رأس المال اعتباراً من 1/1/2006 م بسبب الانهيارات المتعاقبة ، ويمكن إنجاز ذلك الحصر في مدةٍ وجيزة ؛ بمراجعة حركات البيع والشراء في محافظهم ، وكذا إيداعات وسحوبات وتحاويل الأموال حتى وقت التدقيق وحساب الباقي .

الثاني : استحداث ( صندوق الإرفاق ) لتعويض الخاسرين من صغار المساهمين عن ما زاد على ثلث رأس المال من صافي الخسارة المتحققة ، ويكون دعم هذا الصندوق من البنوك والشركات القابضة والمحافظ الاستثمارية الكبرى بجزءٍ من أرباحها السنوية الزائدة على أرباح العام الماضي ؛ على أن لا يتجاوز الدعم من هذه الجهات نصف صافي الربح الفائض ، وما زاد عن ذلك فتحتمله الدولة ؛ كما في المثل العامي ( لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم ) .

بهذا الحل تحفظ الدولة للرابحين نسبةً كبيرةً من أرباحهم المتنامية ، وتعوض صغار الخاسرين ما نقص عن ثلثي رؤوس أموالهم ، ليحتمل واحدهم خسارة ثلث رأس ماله فقط ( والثلث كثير ) . والله الموفق .

الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود

ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4060 | تأريخ النشر : الأحد 29 رمضان 1427هـ الموافق 22 أكتوبر 2006م

طباعة المقال

إرسال المقالة
انهيارات سوق الأسهم مسؤولية من؟ تلقيت دعوة كريمة من زميلنا د. مقبل بن صالح بن أحمد الذكير . عبر مقالته المنشورة يوم السبت الموافق 23/08/1427 في العدد (4723) من هذه الصحيفة بعنوان ( ملاحظات في تداول الأسهم عبر البنوك! ) يدعو فيها سعادته إلى : البدء في تأسيس جمعية مدنية لحماية المستهلكين ، أو : تكوين هيئة وطنية خيرية لحماية حقوق المساهمين ومقاضاة المعتدين ، وكما سرتني دعوته الكريمة فإن ما ارتآه مما يسعدني المشاركة في تحقيقه وتطبيقه ؛ بعد اكتمال متطلباته النظامية . وليأذن لي أخي الكريم في الإبحار بعيدا عن الجمعية المدنية أو الهيئة الوطنية ؛ لنسبر معا حالة السوق السعودي للأسهم ؛ حتى نضع أيدينا على عوامل اضطرابه ، حيث سنرى - لا محالة - الآتي :- أولا/ يشرف على سوق المال السعودية هيئة حديثة عهد بمهام أسواق الأسهم وذات خبرة قليلة بممارسات روادها . ثانيا/ النظام الحاسوبي لسوق المال السعودية لا يرقى إلى المستوى المطلوب للسوق السعودية ؛ لا من حيث كمية التداول وعدد الصفقات اليومية ، ولا من حيث تنامي أعداد المتداولين ؛ يشهد لذلك أعطال النظام المتكررة في أوقات الذروة . ثالثا/ يسيطر على سوق الأسهم أفراد من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ، تعارف الناس على تسميتهم بـ ( الهوامير ) ، وكذا مجموعات متآمرة فيما بينها من أصحاب رؤوس الأموال المتوسطة ، ويسمونهم العامة بـ ( القروبات Groups ) . رابعا/ يساعد الهوامير والقروبات - في صولاتهم وجولاتهم للسيطرة على السوق والتأثير على صغار المضاربين - مجموعات من المأجورين لديهم ، ووظيفة هؤلاء الأولى : ترغيب المتداولين في شراء سهم يريد الهامور التخلص منه وبيعه بأسعار عالية ؛ ووسائلهم في ذلك : الثناء على أداء الشركة ، وتلفيق التصريحات السارة عن المسؤولين فيها ، وتزوير معلومات مؤشرات السهم ، واختلاق الأخبار حول صعوده ، ويسمى ذلك كله بـ ( التطبيل ) ، والوظيفة الثانية لهؤلاء النجاشون : التنفير من سهم يريد الهامور شراءه وتجميعه بأقل مما يستحق ؛ ووسائلهم في ذلك : التحذير من السهم ، وبث الإشاعات حول تدني مؤشراته ، أو التنفير من وضع السوق بأكمله ، ويسمى كل ذلك ( الإرجاف ) . وميادين عمل هؤلاء المطبلين والمرجفين النجاشين هي : المجالس ، والاستراحات ، وعبر رسائل الجوال ، وفي منتديات الأسهم في شبكة المعلومات الدولية ( الإنترنت ) . خامسا/ بإمكان أي من كبار المضاربين ( الهوامير ) التأثير على السوق بنفسه ، أو بتضامنه مع حلفائه بإغراق السوق بعشرات الألوف من سهم بعينه ، وإنزال المؤشر إلى مستويات ترعب صغار المضاربين ؛ فيتدافع هؤلاء المغرر بهم على الخروج من السوق لتحصل الكارثة ؛ التي لن ينجو من آثارها إلا من تسبب فيها ( الهامور ) حيث يعود إلى شراء أسهمه بأقل مما باعها به . سادسا/ يشرف على محافظ الهوامير والمحافظ البنكية نخبة من أمهر المستشارين الماليين الوافدين وبعض المواطنين المتأثرين بسلوكيات لا تتفق مع هدي الإسلام في الاتجار ؛ وكلهم أناس ذوو خبرة ودراية بأحدث ألاعيب واحتيالات التداول العالمية ؛ الأمر الذي لا ترقى إليه خبرات ودراسات واستشارات هيئة سوق المال إلا بعد فترة من حصول تلك الألاعيب وظهور آثارها على السوق وعلى صغار المضاربين . سابعا/ يظهر نوع من التخبط في بعض قرارات الهيئة ؛ فقد تقرر منع أحد المتلاعبين ثم تلغي قرار المنع فجأة ، وقد تقرر منعه من الشراء دون البيع !!! ، مما يساعده على الإطاحة بالسوق . ثامنا/ لا تزال أحكام وأنظمة وقوانين التداول في السوق السعودية دون المستوى المطلوب ؛ الأمر الذي نشهد معه تكرار المخالفات وهشاشة المؤاخذات ورخاوة العقوبات ، و ( من أمن العقوبة أساء التصرف ) . تاسعا/ لا تكاد ترى تنسيقا جادا بين الهيئة ومؤسسة النقد العربي السعودي في تنفيذ قرارات الهيئة ومتابعة ذلك ؛ إذ يمكن لكل موقوف أن يعمل عبر محفظة أخرى غير التي تعرضت للإيقاف ، أو أن يفتح محفظة أخرى جديدة ، أو أن ينقل السيولة المالية من محفظته إلى محفظة شخص آخر . عاشرا/ يعمد الهوامير إلى افتعال أزمات السوق والتلاعب بالأسعار ( نزولا وارتفاعا ) كما يحلو لهم ؛ دون أي تدخل من الهيئة في الوقت المناسب للتدخل ، بسبب ضعف نظام مراقبة التداول ، وتخاذل أجهزة الرقابة المركزية في تطبيق العقوبات . حادي عشر/ عقوبات الهيئة تنحصر في غرامات عائدها لصندوق الهيئة ، أو في إيقافات متهالكة للمخالفين ، وهذه العقوبات لا تنفع المتضررين من صغار المضاربين بشيء ، ولا تمنع الهوامير من تكرار مخالفاتهم ؛ ما دامت الغرامة أقل بكثير من مقدار الفائدة التي جنوها بمخالفاتهم . ثاني عشر/ تمارس المحافظ البنكية المضاربة بالبيع والشراء مزاحمة في ذلك صغار المضاربين ؛ وهي محافظ كبيرة ، ومجموع مبالغها فوق طاقة السوق اليومية ؛ مما يجعلها ظاهرة التأثير على مسار السوق عند أدنى حركة منها ، ومن المعلوم أن مثل هذه المحافظ حقها الاستثمار لا المضاربة . هذه الأمور - في نظري - من أهم عوامل اضطراب السوق وعدم انضباطه بالمستوى المأمول ، غير أنه من الممكن معالجة هذا القصور الظاهر بدراسة تطبيق الأمور التالية :- 1/ استيراد أحدث وأرقى نظام تداول في العالم ، واستقدام أفضل الخبرات لتشغيله وتطويره وتدريب الكفاءات الوطنية عليه أيا كانت كلفتها ؛ فموارد نظام التداول قادرة على استيعاب ذلك . 2/ إعادة تنظيم مهام الهيئة ، وإلغاء صلاحيات رفع الإيقاف قبل انتهاء مدته النظامية ، وحوسبة جميع القرارات الإدارية والجزائية ؛ بحيث تقع وترتفع آليا بموجب النظام ، وبلا تمييز . 3/ دراسة كيفية تطبيق وقف التداول وإلغاء التداولات عند حدوث أي طارئ يؤثر على حركة كامل السوق وأسعار الأسهم ؛ مثل : التمرد الجماعي للهوامير ، أو حصول خلل في نظام التداول ، أو دخول الدولة في حالة طوارئ لا سمح الله ، أو حدوث أمر عالمي بالغ التأثير . 4/ دراسة تطبيق عقوبات تجميد الأرصدة في حق المخالفين ؛ حتى يلتزموا بآداب التداول ، وإيقافهم عن التداول بيعا وشراء ؛ حتى لا يؤثروا على مسار السوق . 5/ يراعى في تغريم المخالف أن تتلاءم الغرامة مع ما جناه من مخالفته ؛ بإلغاء عمليات البيع والشراء الناشئة عن المخالفة ؛ تحقيقا للقاعدة الشرعية ( من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه ) . 6/ في المضاربات اليومية يجب منع الهوامير ومحافظ البنوك من بيع ما زاد عن 5 % من موجودات محافظهم خلال فترة التداول اليومية ؛ حتى لا يتضامنوا لإسقاط السوق والفتك بالمساهمين . 7/ إلغاء أمر البيع بسعر السوق ( Market ) من بين أوامر التداول ؛ لكونه السبب في تدهور السوق عند اندفاع المضاربين للبيع ، بعد تسريب شائعة مغرضة أو ترويج إرهاب خادع . 8/ منع البنوك من إعطاء تسهيلات بأكثر من رأس المال ، وتحميل البنك المخالف مسؤولية ما زاد عن ذلك . 9/ المنع من إلغاء المتداولين أوامر الشراء والبيع قبل مضي ( نصف ساعة تداول ) على كونها متاحة قابلة للتنفيذ على الآمر بها أثناء فترة التداول ؛ حتى لا تستخدم في إغراء أو إرهاب المضاربين . 10/ من الممكن تحديد مدة معقولة يفتح بعدها نسبة التذبذب في البيع والشراء دون تحديد ؛ عقب استقرار حال السوق ، وتفاعل المضاربين مع المحافظ الاستثمارية المأمونة ، وانتشار ثقافة الاستثمار بين المتداولين . هذا - في نظري - هو ما يمكن أن يكون سبيلا لحل جذري عاجل لمشكلات سوق الأسهم السعودي . أما المتضررين من صغار المضاربين ( وهم من كانوا يضاربون فيما دون المليون ريال ) فإن كثيرا منهم حديث عهد بالمضاربة ، بل إن بعضهم باع منزله أو سيارته أو حلي زوجته أو استدان على راتبه ؛ ليحقق أحلام الثراء ، فما لبث أن فجعته الخسارة الكبيرة ، وعلاج مشكلات هؤلاء البائسين من نكبات السوق الأعجف في هذا العام المالي يتلخص في أمرين : الأول : حصر المتضررين من صغار المضاربين ؛ وهم الذين زادت خسائرهم على 33.33 % من رأس المال اعتبارا من 1/1/2006 م بسبب الانهيارات المتعاقبة ، ويمكن إنجاز ذلك الحصر في مدة وجيزة ؛ بمراجعة حركات البيع والشراء في محافظهم ، وكذا إيداعات وسحوبات وتحاويل الأموال حتى وقت التدقيق وحساب الباقي . الثاني : استحداث ( صندوق الإرفاق ) لتعويض الخاسرين من صغار المساهمين عن ما زاد على ثلث رأس المال من صافي الخسارة المتحققة ، ويكون دعم هذا الصندوق من البنوك والشركات القابضة والمحافظ الاستثمارية الكبرى بجزء من أرباحها السنوية الزائدة على أرباح العام الماضي ؛ على أن لا يتجاوز الدعم من هذه الجهات نصف صافي الربح الفائض ، وما زاد عن ذلك فتحتمله الدولة ؛ كما في المثل العامي ( لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم ) . بهذا الحل تحفظ الدولة للرابحين نسبة كبيرة من أرباحهم المتنامية ، وتعوض صغار الخاسرين ما نقص عن ثلثي رؤوس أموالهم ، ليحتمل واحدهم خسارة ثلث رأس ماله فقط ( والثلث كثير ) . والله الموفق .
التعليقات متاحة للزوار التعليقات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر عن رأي صاحب الموقع