|
نشرت في صحيفة الإقتصادية العدد 4990
نظاميات في صبيحة يومٍ من أيام عام 1407هـ ، وفي لحظةٍ من لحظات استجماع القوى بين جلستين دخل مراسل إدارة المحكمة عليَّ في مكتبي يحمل طرداً كبيراً يحوي أربعة ملفات كبيرة ( دوسيهات ) ، ويطلب مني استلامها للنظر فيها ، ولأني كنت حديث عهدٍ بالمحكمة ، وقد سبقني إليها ثلاثة قضاة لا زالوا على رأس العمل ، فقد توقعت أنَّ هذه القضية - بلا ريب - من اختصاص أحدهم ، وأنَّها وردت مكتبي خطأً .= عندما استعرضت أوراق المعاملة لم أجد أنَّها قد أحيلت إلى المحكمة أصلاً قبل ذلك اليوم ، ففتحت الطرد واستعرضت الملفات منذ نشأة القضية ، فوجدت أنَّها قد أثيرت بمعروضٍ من صاحبها قبل تاريخ مولدي بنحو شهرين ، أي : في الشهر الخامس من عام 1377هـ !. أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة .
= في اليوم التالي استأذن في الدخول إلى مكتبي صاحب تلك المعاملة ، وبعد شرحٍ موجزٍ لقضيته بدأ في التَّذَمُّرِ من تأخر البت فيها وإنهائها ، وأخذ يُرَدِّدُ مقولة : أنَّ القضية مكثت ثلاثين عاماً دون حسم ، ومع أني غيرُ معنيٍ بتلك المدة ؛ لكون المعاملة إنما وردتني بالأمس فقط ، إلا أني أظهرت له تعاطفاً حيال تأخير إحالتها إلى المحكمة ، وحددت له موعداً قريباً لابتداء نظرها ، وخلال ستة أشهر كانت القضية جاهزة للتنفيذ بصكٍ مكتسبٍ القطعية من محكمة التمييز بفضل الله .
= المهم في القصة : أنَّ نسبة بقاء تلك المعاملة في المحكمة تعادل واحداً في المائة (1%) من عمرها الزمني حتى صدور الحكم فيها ، فمن كان المسؤول عن تأخيرها بنسبة (99%) من ذلك العمر المديد ؟.
= لن أتحدث عن التأخير في جميع القضايا ، بل سيكون بحثنا في قضايا السجناء الجنائية ؛ لما لها من أهمية قصوى لدى المسؤولين في الدولة وفقهم الله ، ولأنَّ تأخيرها يعود بالضرر على أشخاص السجناء وذويهم ؛ وفيهم الوافدون لطلب الرزق في هذه البلاد المباركة ، كما أنَّ التأخير يعود باستنزاف الكثير من خزينة الدولة القائمة على حراسة السجناء والإنفاق على السجون ونزلائها مدة سجنهم .
= يعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ سبب تأخير قضايا السجناء هم قضاة المحاكم ، ومن هؤلاء : كثير من الكتاب ، والصحفيين ، والباحثين في قضايا المجتمع ، وظهر ذلك من تصريحات بعض المسؤولين ، وتمهيداً لبحث التأخير في قضايا السجناء وتحديد مسؤولية المحاكم عن هذه القضية بالذات ، لابد من معرفة الجهات ذات العلاقة بقضايا السجناء منذ البداية عبر سبر مسار قضية السجين ، وذلك يتلخص في الآتي :-
أولاً/ جهاز الشرطة : حيث يشرف الجهاز على القبض وجمع الأدلة الجنائية الميدانية .
ثانياً/ هيئة التحقيق والإدعاء العام : حيث تتولى الهيئة التحقيق ، وبحث الأدلة ، والتحري عنها ، ولملمة خيوط الحادثة ، ومن ثَمَّ إعداد لائحة الإدعاء العام .
ثالثاً/ الجهة الإدارية (المحافظة ، إمارة المنطقة) : حيث تستلزم بعض القضايا العرض عليها ؛ للتوجيه بإقامة الدعوى فيها .
رابعاً/ المحكمة المختصة : حيث تتولى النظر في الدعوى ، والجواب ، وفحص الأدلة والدفوع ، ومن ثَمَّ الحكم بالبراءة أو بالإدانة ، وتحديد العقوبة المناسبة .
خامساً/ محكمة التمييز ( الاستئناف ) : حيث تتولى تدقيق الحكم ، وتوجيه المحكمة الابتدائية بما يلزم تجاه ما يمكن أن يظهر لها من ملحوظات على الحكم ، وفي نظام القضاء الجديد ستتولى محاكم الاستئناف : تأييد الحكم ، أو تغييره ؛ دون الرجوع للمحكمة .
سادساً/ الجهة الإدارية ( المحافظة ، إمارة المنطقة ) : حيث تتولى تنفيذ الحكم بعد اكتسابه القطعية .
سابعاً/ يستلزم الأمر في كثير من القضايا الجنائية العرض على مقام وزارة الداخلية قبل تنفيذ الحكم .
= هذه الجهات الحكومية السبع هي المسؤولة عن قضايا السجناء من حيث العموم ، وهي التي تتجاذبها مسؤولية التأخير موضع البحث ، وهي بحسب الترتيب الزمني ( الشرطة ، هيئة التحقيق والإدعاء العام ، المحكمة المختصة ، محكمة التمييز ((الاستئناف)) ،المحافظة ، إمارة المنطقة ، وزارة الداخلية ) .
على أنَّ بعض القضايا تحتاج لإشراك بعض الدوائر الأمنية الأخرى ؛ غير أنَّ البحث هنا مقصورٌ على قضايا السجناء الشائعة فقط .
= ولن أتحدث عن مسؤولية غير المحاكم ؛ تقيداً بعنوان المقالة من جهة ، ولأنَّ سبيل تحديد المسؤوليات هو الدراسات الرسمية والتقارير السرية التي تتخذها الدوائر ذات العلاقة .
= في عام 1427هـ أُجْرِيَتْ دراسةٌ على ثلاثين قضيةً جنائية من قضايا السجناء المنظورة في محكمة نموذجية من محاكم المملكة ، فظهرت النتائج الآتية :-
1/ بلغ مجموع أيام السجن التي قضاها أصحاب تلك القضايا - جميعهم - في أماكن إيقافهم ؛ منذ تاريخ القبض عليهم حتى صدور الأحكام القطعية بشأنهم (5967) خمسة آلاف وتسعمائة وسبعة وستين يوماً .
2/ فرز الباحثون مُدَدَ بقاء المعاملات الخاصة بأولئك السجناء في كل دائرةٍ من الدوائر السبع المشار إليها أعلاه ؛ حالة كون السجين قابعاً في زنزانته ؛ لمعرفة ترتيب الدوائر السبع من حيث التأخير .
= المفاجأة : أنَّ مسؤولية المحكمة من مدة تأخير قضايا السجناء ( العَيِّنَة ) انحصرت في (573) خمسمائة وثلاثة وسبعين يوماً فقط من المجموع العام بحسب الدراسة المختصرة .
= من واقع الدراسة ظهر لي : أنَّ الدائرة ذات المرتبة الأولى في مسؤولية التأخير - من بين الدوائر السبع - قاربت نسبتها السبعة والأربعين في المائة (47%) من حجم المسؤولية ، وزادت نسبة الدائرة الثانية من مسؤولية التأخير على تسعة وعشرين في المائة (29%) ، وكانت مرتبة المحكمة في تأخير قضايا السجناء هي ( المرتبة الثالثة ) !! ، أي : بنسبةٍ مئوية لا تصل العشرة في المائة (10%) .
= أعجب ما شدني في هذه الدراسة : الإنجاز الذي حققته وزارة الداخلية ؛ حيث لم تصل نسبتها من مسؤولية التأخير واحد في المائة 1% ، وكذا محكمة التمييز ؛ بكون نسبتها من المسؤولية أقل من واحدٍ ونصف في المائة (1.5%) فقط .
= إذا كانت هذه نسبة المحاكم في تأخير قضايا السجناء بحسب تلك الدراسة ، فهل نرى من الأخوة النقاد - في الصحافة ، وفي مجال حقوق الإنسان ، ومن عامة الناس في مجالسهم ومنتدياتهم - إنصافاً وتقديراً للإنجاز الذي تحققه المحاكم حيال ظاهرة تأخير قضايا السجناء ؟!!.
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
عدد التعليقات : 4 | عدد القراء : 8052 | تأريخ النشر : الأحد 24 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 10 يونيو 2007مإرسال المقالة
إرسال المقالة والتعليقات إلى صديق
|
|||
|
|
|||
|
|
|||
|
تأريخ النشر: الأربعاء 22 شعبان 1428هـ الموافق 5 سبتمبر 2007مسيحية
طباعة التعليق