|
نشرت في صحيفة الإقتصادية العدد 4703
حواراتس1/ هل المراجعة الجذرية للمناهج التي يتلقاها طلاب كلية الشريعة ستكون بداية الخطوات الجادة والمرحلية لتطوير القضاء الشرعي ؟
جـ1:
إن المناهجَ التي يتلقاها طلابُ كلية الشريعة اليوم هي ذاتها المناهجُ التي سبق ودرسها القضاةُ العاملون الآن في المحاكم ، وهي التي عملت على تهيئتهم للقضاء ؛ منذ إنشاء الكلية عام 1373هـ وحتى هذه الساعة ، وإنَّ استيعابَ الطالبِ هذه المناهجَ بالصورةِ المرجوةِ كفيلٌ بإعداد قاضٍ قادرٍ على الاضطلاعِ بمسؤولياته تجاه إحقاقِ الحق وبسطِ العدل بين الناس .
والمراجعةُ الجذريةُ للمناهج إن كان المرادُ منها الاستغناءَ الكاملَ عن المواد التي تدرس في كليات الشريعة واستبدالها بغيرها : فهذا أمرٌ - كما أنه غيرُ واردٍ أصلاً - فهو غيرُ مقبولٍ ولا معقولٍ ، وليس سبيلاً إلى التطوير المطلوب ؛ غير أن المؤملَ هو تطويرُ طرق تدريس تلك المناهج بما يكفل تفاعلَ الطالب مع ما يتلقاه في الكلية ، وأن يتولى تدريسَها أناسٌ قادرون على ربط النظرية بالتطبيق التمثيلي أولاً ثم الواقعي .
ويتحقق ذلك بفرض ساعاتٍ دراسيةٍ تطبيقيةٍ في المحاكم وغيرها من الجهات القضائية ، مثل : كتابات العدل ، وهيئات التحقيق والادعاء العام ، وديوان المظالم ، ولجان العمل والأوراق التجارية ، ولا يمنع ذلك من إعادة النظر في تطوير المناهج ؛ بزيادة التركيز على موضوعاتٍ معينةٍ ، وبالاستغناءِ عن موضوعاتٍ أخرى ؛ اكتفاءً بما سبق دراسته في المراحل المتوسطة والثانوية ، وبإضافة موادَ ذاتِ علاقةٍ بالعمل القضائي كلما دعت الحاجة إلى ذلك ؛ سواءٌ من الفنون الشرعية الأصيلة ؛ كقواعد الفقه والأحكام وتطبيقاتها ، أو من الفنون والعلوم الحادثة ؛ مما لا ينبغي تجاهله أو التغاضي عن الإلمام به .
---------------------------------------------------------
س2/ هل المشهد القضائي بحاجة فعلية لقيادات قضائية تجمع بين التخصصين الشرعي والقانوني؟
جـ2:
لاشك أنَّ العلمَ بالشيءِ خيرٌ من الجهل به ، ومعرفةُ القاضي بكل علمٍ له علاقةٌ بعمله داعٍ إلى نجاحه وتميُّزه في عمله ، ومن لا يعرف من العلم غير الفقه أو القانون فليس بفقيه ولا برجل قانون ؛ لأن العلوم كلها كالجسد الواحد ؛ لا قيام لبعضه دون بعض وإن تفاضلت فيما بينها ، فلابد للقاضي من أن يحيط علماً بالفقه والنظام ، وأن يدرك من القانون وبقية العلوم ؛ ولو بالقدر الذي لا يكون فيه أمياً .
وما سطَّره أسلافنا الأجلاءُ - رحمهم الله - عبر القرون في جميع التخصصات الشرعية وأسموه ( المتون ) أقربُ ما يكون إلى القانون ؛ من حيث الدلالة على حكم المسألة بعبارة وجيزة ، غير أن الفارقَ الوحيدَ بين قانون اليوم ومتونِ الأمس البعيد هو : ترقيم الأحكام في القانون ، وتسمية كل حكمٍ مرقَّم ( مادة ) وما تفرع عنها ( فقرة ) .
ومن اللائق بالقاضي : أن يعرفَ صياغةَ المواد وأنواعها وطرقَ دلالتها ، كما لزمه - من قبل - أن يعرفَ عباراتِ الفقهاء في أجوبة المسائل ومدلولاتها ؛ من حيث : التحريم والكراهة ، أو الوجوب والاستحباب ؛ والتي تُبحث غالباً في كتب الأصول المذهبية ، أو فيما يسمى : بالمدخل إلى فقه إمام المذهب ونحو ذلك .
وليعلم القاضي أن التحسُّسَ من مسمى ( قانون ) ، أو اعتقادَ مضادةِ محتواه للشريعة الإسلامية ما هي إلا أوهامٌ تداعى لها أفرادٌ من طلبة العلم الشيوخ ؛ اكتفاءً بما درسوه وما اعتادوا مراجعته وتدريسه عما يرادُ منهم استئنافُ طلبِ العلم به وإتقانُ تطبيقه .
وإنه وإن أمكنهم الوقوفُ في طريقِ التقنين أو تأخيرُ وصولِ قوافله ؛ إلا أن ذلك لن يدومَ لهم ، ولن يُوافَقهم عليه أحدٌ ، فإنَّ من يغمضُ عينيه عند طروء خطرٍ ما ، لا يعني ذلك : أن عدواً ماثلاً أمامه لا يراه ، بل : هو الذي لا يرى الخطر المحدق به .
وتداركُ نوازل الأمور لا يكون بغير التصدي لوضعِ النظمِ والقوانينِ اللازمةِ لها إن أمكن ، وإلا فلا أقلَّ من قبولِ طلبِ تنقيحها وتصفيتها مما يمكن أن يشوبها من مخالفات ، مع الاجتهاد وبذل الوسع في ذلك كله ، واحتساب ذلك العمل لدى مالك الملك ، فكلُّ عملٍ ينقطعُ ، والعلم المنتفع به لا ينقطع ثوابه عن صاحبه . نسأل الله التوفيق لصالح الأعمال .
---------------------------------------------------------
س3/ كيف نستطيع إيجاد أرضية صلبة لديها رغبة التفاعل مع الأنظمة الشرعية الحديثة المتوافقة مع تعاليم الشريعة والدين والقدرة على التحرر من التراكمات الأيدلوجية ؟
جـ3:
إنَّ جميعَ أفراد المجتمع السعودي ينظرون إلى ما يقرره ولاةُ الأمرِ بعينِ الاحترامِ والتقدير ؛ حتى مع عدمِ استيعابِ مضمونِ القرارِ حالَ صدوره ، كما حصل وقتَ ضمِّ رئاسةِ تعليم البنات إلى وزارة التربية والتعليم ؛ إذ لو لم تكن الدولةُ - وفقها الله - مدركةً لمصالح إنفاذ القرار لتراجعت عنه ؛ ولو لأجل .
فكان احتواءُ ردَّةِ الفعلِ الشديدةِ التي امتدت لشهورٍ بالحكمةِ والصبرِ من ولاةِ الأمرِ أولاً ، وبإصرارِ الدولةِ على نفاذِ القرارِ ثانياً ، الأمرُ الذي ما لبثت ردةُ الفعلِ أن تلاشت معه ، بل إنها خمدت وانطفأت تماماً بعد إجراءٍ إداريٍ تمثَّل في توزير شخصيةٍ موثوقةٍ على المستوى الشعبي ، فانحسر المدُّ ، واستقرت الأوضاعُ ، وهدأت النفوس .
وقريبٌ من هذا قد حصلَ عند إقرارِ ( نظام المرافعات الشرعية ) ، ثُمَّ بعد مواجهةِ الاعتراضات وإزالةِ إشكالاتها من قبل معالي وزير العدل - يحفظه الله - استقرَّ الأمرُ تماماً ، ولم تواجه الأنظمةُ القضائيةُ الصادرةُ بعده بأيِّ اعتراضٍ ؛ لا من قريبٍ ولا من بعيد . وهذا يعني أهميةَ القرارِ السياسيِّ في ترويضِ العواطفِ الراكنةِ إلى القديمِ والمألوفِ ، والانفعالاتِ المتخوِّفةِ من الجديدِ غير المعروف .
فمتى قررت الدولةُ شيئاً مما يهم العامةَ فالناسُ مُهيؤون بطبعهم لقبوله ؛ إذ إنهم يعلمون علم اليقين : أنَّ الدولةَ لا تقرر أمراً من مصالح العامة إلا بعد مراجعاتٍ على جميع المستويات ؛ بما فيها المؤسسةُ الشرعيةُ المتمثلةُ في : هيئة كبار العلماء ، وفي الرئاسةِ العامة للبحوث العلمية والإفتاء ، مضافاً إليهم : المستشارون الشرعيون في الديوان الملكي ، وغيرهم من المستشارين كلٌ في تخصصه ؛ ممن نَشؤوا في أسرهم نشأةً محافظةً ، وتلقوا في مدارسهم تربيةً إسلاميةً ، يمنعهم كلُّ ذلك من تجاوز حدودِ الله فيما يقررونه أو يدرسونه أو يشيرون به أو يعتمدونه لصالح العامة .
وليس هناك أدلجةً بالمعنى الدقيق ؛ فالأفكارُ السائدةُ في المجتمع السعودي متفقٌ على أغلبها من العامة والخاصة بدون ضغوطٍ من طبقةٍ معينةٍ ؛ لا من العلماء الشرعيين ، ولا من طلبة العلم ، ولا من غيرهم .
وليس ثمةَ تراكماتٌ ولا قيودٌ يلزم التحرُّرُ منها ، فعامةُ أفراد المجتمع السعودي لا يعتقد قداسةَ أيِّ فكرٍ لا يستمد قدسيته من الكتاب والسنة ، أما آراءُ الرجالِ فمحلها التقديرُ لدى الجميع لا التقديس .
ولذلك سلم المجتمعُ من أعاصير الأزمات وزوابع الفتن التي عرضت له ؛ منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الراحل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله ، وحتى هذا العهد الزاهر الزاخر بالإنجازات الإقليمية والقارية والعالمية على يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود يحفظه الله .
وأيُّ محاولةٍ لأدلجة ( فكرٍ ما ) خارج النطاق الرسمي للدولة فمصيرها - حتماً – إلى الفشلِ الذريع ؛ مهما كان لها من الحضورِ والشيوع ، أو صار لأصحابها من النفوذِ والسيطرةِ على أيٍ من منابرِ ووسائلِ الاتصالِ بالمجتمع . وكلُّ فكرٍ غريبٍ أو مستغربٍ يحاول الهيمنةَ على عقولِ أفراد المجتمعِ السعوديِّ وتوجهاتهم ، أو تغييرَ ثوابته ومرتكزاته الشرعيةِ والتراثية : فإنَّ تهيُّبَ المجتمعِ السعوديِّ منه يمنع من مدِّ جذوره وتعميقها ، مما يُعَرِّضُ أصول هذه الأفكارِ المتطرفة الوافدةِ للقلعِ والاجتثاثِ عند الالتفات إليها دون خسائرَ جسيمةٍ ، وسواءٌ في ذلك : الأدلجةُ المتطرفة بنوعيها ؛ العلمانيِّ والدينيِّ .
---------------------------------------------------------
س4/ كيف تنظرون للمطالبة بتهيئة طالب الشريعة عقليا بحيث يستطيع التعامل مباشرة مع النصوص القانونية وجذورها الفلسفية عبر التركيز على منهج القانون ليتمكن من ممارسة العملية القضائية والتعامل مع النصوص النظامية ؟
جـ4:
التهيئةُ العقليةُ والنفسيةُ للتعاملِ مع النصوصِِ القانونيةِ وجذورها لا يكون بالتركيز على منهجِ القانونِ على حسابِ الفقهِ الإسلاميِّ الأصيل ؛ فالإنسانُ عدوُ ما يجهلُ بطبعه ، والقوةُ لا تولد القناعات .
وما نريده من طالبِ الشريعةِ تجاه العلومِ الحديثةِ هو العلمُ بأصولها وأهدافها وطرقِ استمدادها أولاً ، ومن ثمَّ تحليلُ كلِّ ذلك للخروج بنتيجةٍ مؤدَّاها : أنَّ ما فيه مصلحةُ الأمةِ ولا يتعارض مع نصوصِ الشريعةِ الثابتةِ فالأخذُ به مما يجب على ولاةِ الأمرِ وأهلِ العلمِ سواء ؛ إذ لا يمكن أن يكونَ للناس مصلحةٌ راجحةٌ في شيءٍ إلا وقد دعت الشريعةُ إلى الأخذِ به إيجاباً أو استحباباً ، فاللهُ جل جلاله لا يأمرُ بمفسدةٍ خالصةٍ ولا راجحةٍ ، كما أنه سبحانه لا يمنعُ من مصلحةٍ خالصةٍ ولا راجحةٍ .
وتقديرُ الخلوصِ والرجحانِ لا يُستمد من عقلِ رجلٍ واحدٍ أو جماعةٍ عُرِفَ عنها : الوقوفُ أمام المستجداتِ والتغييراتِ المصلحية ، والمساومةُ على إقرارها . حتى إذا ألزمت به وفُرِضَت عليه من ولاة الأمر أذعن لها على مضضٍ ، وعمل بها على استحياءٍ ، وزايد - في الظاهر - على نصرتها ودعمها . فمثل هؤلاء لا يمكن أن ينهضوا بالأمة إلى خيرها ولا إلى عزتها ؛ دون أن يقودهم في ذلك أولو الأمر من ثقات الساسة والقادة والمفكرين .
والتَّدرُّجُ في التهيئة كفيلٌ بتشتيت جموع الأشرار ، وتحطيم حوائل الأفكار ، ونسف أعتى الأسوار ، وتليين جمود الأحجار ، وسبيل ذلك : وضعُ الخططِ المدروسة خلال مُدَدٍ زمنيةٍ تتناسبُ والمرحلةَ المطلوبةَ ، مع التزامِ الصمتِ تجاه استفزازاتِ المعارضةِ البائسة ، ومع لزوم إسكاتِ أصواتِ وأبواقِ التياراتِ المنافسة ؛ تجنباً للإثارةِ وتصفيةِ الحسابات على حساب المشاريع الوطنية الصادقة .
---------------------------------------------------------
س5/ ما هي الأشياء التي تعيق تطور الكوادر القضائية التي تكوّن أضلاع العملية القضائية ( قضاء ومحامون وأعضاء هيئات التحقيق والادعاء العام ) ؟.
جـ5:
من فضل الله علينا في هذه البلاد المقدسة : أنَّ العوائقَ الحسية المادية ليست ذاتَ أثرٍ فاعلٍ في إيقافِ عجلةِ التطورِ للكوادر القضائية ولا في إبطائها ؛ إذ من الممكن التعاملُ معها عبر القنوات الرسمية ، وما هي إلا سنواتٌ قلائلُ حتى تزول مهما كانت تكلفتها باهظة أو بالغة .
غير أن العوائقَ النفسيةَ هي المسيطرةُ على قياداتِ القضاءِ قبل أفراد بعض منسوبيه ، ولذا فلن نرى - والحالة هذه - تطوراً للمؤسسة القضائية من داخلها .
مما يعني : لزومَ التدخلِ الحاسمِ من قيادات البلاد بما يكفلُ إدراجَ جهاز القضاء تحت مظلةِ التطوير والتحديث ؛ في آلياته وتجهيزاته وقياداته القادرة على إدارةِ دفته بما يحققُ المصلحةَ المرجوةَ منه .
لقد أفرزت مواقفُ القياداتِ القضائيةِ الحاليةِ تفتيتاً للاختصاصِ القضائيِّ وتقطيعاً لأوصاله ، فنشأ لأجل ذلك أكثرُ من ثلاثين جهةً قضائيةً في الدولة ، كلها لا يدين لوزارة العدل ولا لمجلس القضاء الأعلى بالتبعية ، ولا بحق الإشراف ؛ لا في الإجراءات ولا في الأحكام .
والسببُ في ذلك الأمرِ الجللِ هو : مواقفُ تلك القيادات الرافضة للنظم والتعليمات التي تعالج أنواع القضايا الطارئة . تلك النظمُ التي لم يحيطوا بعلمها وقت الطلب ، ولم يكلفوا أنفسهم عناءَ دراستها ومراجعتها وتدقيقها وقت طروءِ الحاجةِ إليها ، فكانت الطريقةُ ( اليتيمةُ ) للراحة منها عند هذه القيادات هي : رفضَها ، كما أن السبيلَ ( الفردَ ) للدولةِ هو : إيجادُ جهةٍ أخرى - لتطبيقِ هذه النظمِ - غيرِ المؤسسةِ القضائيةِ الأصلِ ؛ من باب : الضرورات تبيح المحظورات .
فالرفضُ المطلقُ الذي ظنه أولئك الشيوخ الأفاضل حلاً ، وعدُّوه من المفاخر صار معولاً لتكسير وحدة التقاضي وتشتيت شمله . والله المستعان .
ولذلك : فإنَّ الدولةَ - وقد أوجدت لأزمةِ الرفضِ مخرجاً تُسَيِّرُ به أمور الناس - هي المعنيةُ بتصحيحِ المسارِ ؛ بعد شيوعِ الثقافاتِ المتنوعة وانتشارِ العلمِ والمعارفِ المتعددة ؛ خصوصاً : أنَّ السوادَ الأعظمَ من القضاة - وهم من الشبابِ الواعدِ الجامع بين طرفي العلم : الفقهِ في أمور الدين ، والدرايةِ بشؤون الحياة - يتطلعُون ويأملون في أن يكونوا من السواعدِ المعينةِ على إظهار الشرع الإسلامي بما يليقُ به أمام أساطينِ التشريعات والقوانين الوضعية ، فيميطوا عنه لثامَ النقصِ والقصورِ ؛ ليكتب الله له على أيديهم العلو والظهور . وما ذلك على الله ببعيد .
---------------------------------------------------------
س6/ ما هي الآلية الأمثل لتفعيل وتحديث الأنظمة القضائية كي تتواءم مع الحراك التحديثي للمملكة ؟
جـ6:
من اللائق : انبثاقُ القوانينِ والأنظمةِ من داخل المؤسسةِ القضائيةِ ، لا أن تتلقاها مأمورةً بإنفاذها ؛ فأهلُ مكةَ أدرى بشعابها ، كما في المثل العربي القديم . ومتى نشأ النظامُ من داخل المؤسسةِ أو كان لها دورٌ في وضعه وإقراره ، فتفعيله وتحديثه نتاجٌ تلقائيٌ ، آليته هي ذاتُ الآليةِ لنشوئه وفرضه .
أما صدورُ الأنظمة من خارج الجهاز ، فكما سيواجه صعوباتٍ في بداياتِ إقراره وتنفيذه ، فإن معوقاته ستتكرر - ولاشك - في كل تحديثاته ، وهكذا دواليك .
والجهازُ القضائيُّ اليومَ أهلٌ للثقة في كوادره وطاقاته يطلب المكارم ويرحل لبغيتها ، فليس زَمِنَاً مريضاً ولا شيخاً هَرِمَاً حتى يقدم له ما يحتاجه دون أن يكون له يدٌ في صنع ما ينفعه .
وقد أثبتت الكوادر الشابة ذلك بتصدُّرهم لإعداد اللوائح التنفيذية للنظمِ القضائيةِ الثلاتةِ : المرافعاتِ الشرعية ، والمحاماة ، وكذا : بمشاركتهم الفاعلةِ في إعدادِ اللوائحِ التنفيذية لنظامي السجلِ العقاري ، والإجراءاتِ الجزائية وتعديلاته ، وبالمشاركة الجادةِ في تجديد نظامي القضاءِ وديوانِ المظالم ، وفي تمثيلِ الوزارة في وضعِ النظمِ القضائية ؛ مثل : نظامِ مكافحة المخدراتِ ، ونظامِ العقوبات الجزائية ، وغير ذلك من النظم التي تشهد حضوراً فاعلاً من منسوبي وزارة العدل ؛ قضاةً ومفتشين ومستشارين .
والمؤملُ في المستقبل القريب - إن شاء الله تعالى - أن تتولى وزارةُ العدل والمجلسُ الأعلى للقضاء كلَّ أمور القضاء والقضاة ؛ استقلالاً لا تبعاً .
---------------------------------------------------------
س7/ ما أثر التوسع في إنشاء المزيد من المحاكم وخاصة المحاكم المتخصصة في إصلاح السلك القضائي؟
جـ7:
السلكُ القضائيُّ لا يحتاج إلى إنشاءِ المزيدِ من المحاكم بذاتِ القدرِ الذي يحتاجه لوضعِ الضوابطِ المنظمةِ لمسيرةِ العملِ القضائيِّ ؛ سواءٌ : فيما يخص قضايا الناس ، أو أمورِ القضاة ، بدلاً عن : العشوائيةِ ، والانتقائيةِ المسيطرةِ اليومَ على الوضعِ القضائي .
وأما تنوعُ القضايا : فسبيلُ التعاملِ معها ( الأسرع والأوفر ) هو : إحداثُ الدوائرِ المتخصصةِ داخلَ المحكمةِ الواحدة ، وزيادةُ عدد القضاة ، وإعدادُهم الإعدادَ المناسبَ للتخصصِ الحادث ، فذلك هو طريقُ الإصلاحِ القضائيِّ الصائب ؛ إذ إن علاجَ شؤونِ القضاةِ وإدارةَ أمورِ القضاءِ لا يكون بالمركزيةِ والمحوريةِ المعتمدةِ على الرأيِ المجرد ؛ دون بناءٍ على نظامٍ أو اعتمادٍ على قانونٍ ، فمثل ذلك : مظنةُ التغيُّرِ والتبدُّلِ والتناقضِ ؛ بحسبِ الحالةِ النفسيةِ المتقلبةِ بطبيعتها ، وبحسبِ الأحوالِ السائدةِ لموضوع القضية ولشخص القاضي موضعِ البحث .
ولذلك : فإنك لا تكاد ترى نهجاً واضحاً أو مضبوطاً في مضامين قراراتِ المجلسِ الحالي ، ولا في منطلقاتها ، ولا في قواعد ارتكازها ؛ وبالذات فيما يخص شؤون القضاةَ ؛ من : تعيينٍ ، أو نقلٍ ، أو ترقيةٍ ، أو إحالةٍ على التقاعد .
---------------------------------------------------------
س8/ كيف تثمنون جهود الدولة في عنايتها بالقضاء ورجاله؟
جـ 8:
الدولةُ - سدَّدها الله - لا تُعنى بالقضاءِ وحده من بين أجهزة الدولة ؛ فجهودُ الدولة وعنايتها مطلوبةٌ من قطاعاتٍ عديدة ؛ ولذلك فإن الدولةَ - أيدها الله - استوزرت رجالاً ، ووكلت إليهم رعايةَ الأجهزةِ التي يديرونها ويرعون شؤونها ؛ كلٌ فيما وكل إليه . والمؤسسةُ القضائيةُ من ضمن مؤسساتِ الدولةِ المتعددةِ التي تُعنى بالمواطن والمقيم على حدٍ سواء .
وإذا دققنا في تطويرات الجهاز القضائي المادية والمعنوية نجدها قد نتجت - ابتداءً - من القيادة العليا في الدولة ، ولو بحثنا عن جهودٍ لإدارات الجهاز القضائي في التطوير الحسي والمعنوي فلن نجد ما يستحق الذكر .
ومن هذا نستطيع إيجازَ القولِ : بأن جهودَ الدولةِ - وفقها الله - في العناية بالقضاء ورجاله أكثرُ من أن تُذكرَ ، وأكبرُ من أن تُشكرَ .
---------------------------------------------------------
س9/ كيف ينظر فضيلتكم إلى الأنظمة والإجراءات الجديدة ومواءمتها لحقوق الإنسان ودور الأنظمة العدلية الجديدة في تفعيل دور القاضي والمحامي وتعاملهما مع القضايا؟
جـ9:
إن ما كان يتخوفُ منه الكثيرُ من القضاةِ بشأنِ الأنظمةِ بعامةٍ هو : اعتقادُ أنها تصادمُ نصوصَ الشريعةِ الإسلامية ، أو : أنها ستحل - لا محالة - محلَّ الحكمِ بالكتاب والسنة . نسأل الله السلامة من الفتن .
والأنظمةُ القضائيةُ الجديدةُ لا دخل لها في الأحكام ، بل هي تنظيمٌ للإجراءات وترتيبٌ للخطوات اللازم عملها قبل إنجاز أمرٍ ما ، ولو علم القومُ ذلك الأمرَ لما صار منهم أدنى ردةِ فعلٍ متشنجةٍ ، فالناسُ مجبولون على حبِّ النظامِ وكراهيةِ الفوضى .
غير أن من يثقُون بهم - أولئك المتخوِّفون – ويعتقدون صوابَ آرائهم وصحةَ علومهم ورجاحةَ عقولهم أظهروا لهم غيرَ هذا الأمرِ ، وخوَّفوهم من كونِ ذلك تقدمةً لما يحذرون منه .
أما اليوم فالجميع - بحمد الله - مطمئنون لسلامةِ محتوى تلك الأنظمةِ ، ومدركون لمدى النفعِ العائدِ من تطبيقها على الفرد والمجتمع .
فبعد أن كان القاضي منهم - بالأمس - يجوبُ البلادَ بهاتفه ؛ يسأل هذا ويستفسر من ذاك ، ليجدَ الخلافَ والاختلافَ في كثيرٍ من الأجوبةِ التي يتلقاها ممن وضع حاجته بين أيديهم ؛ كلٌ على حسبِ فكره وعلمه وعقله وخبرته ، هاهو الآن وقد اجتمع له كمٌ كبيرٌ من الفوائد والخبرات والإجراءات النظامية في كتابٍ واحدٍ ؛ يهرع إليه عندما يلتبس عليه أمرٌ من أمور القضاء ، ليجد بُغيته وحاجته ماثلةً نُصبَ عينيه .
بل تنافسَ القضاةُ في دراسةِ مضامينِ تلك الأنظمة ؛ حتى باتوا يعرفون لمن يُتقنها منهم قدره وفضله ؛ فانتصب المجتهدُ الخبيرُ مرجعاً لإخوانه وزملائه عند طروءِ إشكالٍ في تفسيرِ مادةٍ أو توضيحِ فقرةٍ أو تصحيحِ إجراء .
إن هذه النظمَ واللوائحَ قد سببت حَرَاكاً علمياً ونشاطاً معرفياً ، أنتجَ عقولاً ناضجةً ، وأظهرَ قدراتٍ كامنةً ، فنمت لأجل ذلك الملكاتُ ، وتطورت المهاراتُ ، وتلاشت النظرةُ السوداويةُ المتشككةُ ، وتطلَّعَ الجميعُ للمزيد والمزيد من هذه النظم ، حتى وصل الأمرُ ببعضهم إلى المبادرةِ باقتراحِ تنظيماتٍ جديدةٍ ، وإظهارِ استعدادهم للمشاركة في وضعها أو في تقديمِ دراسةٍ بشأنها .
أما المحامون فقد اتضحت لديهم الرؤيةُ في كثيرٍ من الإجراءات ؛ مما يَسَّرَ لهم التعاملَ مع القضية والتعاونَ مع القاضي وأعوانه فيما يكفلُ الوصولَ إلى الحكم عبر الطريقِ الصائبِ الأسلم .
ولا يمكننا القولُ بكفايةِ تلك النظمِ الإجرائيةِ الصادرة ، بل الحاجةُ ماسةٌ لتلخيص جميع الأحكام الفقهية في مَعْلَمَةٍ أو مُدَوَّنَةٍ مُرَقَّمَةٍ سهلةِ التناولِ والتداول ، يكون استمدادها من أرجحِ الأقوال في المسألةِ من المصادر الفقهية التي اعتمدها سماحة رئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ يرحمه الله في خطابه رقم 1253/ 3 وتاريخ 2/ 3/ 1381هـ ومن غيرها ؛ لتجعل القاضي على بينةٍ من أمره بنفسِ القدرِ الذي عليه زملاؤه القضاة في شتى أنحاءِ المملكة ، لا خلافَ ولا اختلاف ؛ فيتوحدُ القضاءُ ، وتزولُ الاجتهاداتُ القاصرةُ والمتناقضة ، ويطمئنُ أصحابُ الدعاوى والمحامون لمصير قضاياهم .
والحاجةُ ماسةٌ أيضاً لنظمٍ إجرائيةٍ أخرى ؛ لضمانِ تطبيقِ النظمِ الحالية ، ولتنظيمِ تنفيذِ الأحكامِ القطعية ، ولتوحيدِ الإجراءاتِ على نحوٍ أدقَّ وأشملَ مما هي عليه الآن .
والتطورُ من لوازم الحياة ، فالركون من علامات العجز ، والسكون من دلالات الموت ، ولو لم يجر الماء لفسد وأنتن وتغيرت رائحته وطعمه ، وكذا كل أمرٍ متغيرٍ من متغيرات الحياة ؛ إذ ما من شيءٍ قد اكتملَ من أمورِ الخلقِ غيرَ ما امتنَّ اللهُ بإكماله من أمرِ الدين ؛ حيث قال جل من قائل
(( اليوم أكملت لكم دينكم ))
أما غيرُ ذلك من أمورِ الناسِ : فالتطورُ فيها لازمٌ ، ومواكبةُ ذلك ضرورةٌ ، والتخلفُ عنه مهلكةٌ للمجتمع ، منقصةٌ لولاة الأمر ، مسبةٌ لأهل الرأي والحل والعقد .
ويمكنني القول : أن الحالَ اليومَ أفضلُ بمراحلَ مما كانت عليه قبل تفعيلِ الأنظمةِ الجديدة ، ولا مقارنةَ صحيحةٌ بين الحالين ؛ إلا كما يقول الشاعر :
ألم تر أن السيف ينقص قدره == إذا قيل أن السيف أمضى من العصا
---------------------------------------------------------
س10/ كيف يمكن زيادة الوعي لدى المواطن والمقيم فيما يتعلق بحقوقه النظامية داخل المحاكم الشرعية ؟
جـ10:
قد يكون من العسيرِ على جميعِ المواطنين والمقيمين الإحاطةُ بمضامين الأنظمةِ وطرقِ استحصالِ الحقوقِ ؛ إلا أنه من الممكنِ تفعيلُ دورِ مكاتبِ الاستشاراتِ الشرعية والنظامية في المجتمع ، فهم الذين يكشفون للمحتاجين أقربَ الطرقِ وأصحَّها لتحصيلِ حقوقهم ؛ على أن يَتِمَّ تنظيمُ أجورِ تلك الخدماتِ لتصبحَ في متناولِ العامة . هذا في المرحلة الأولى من مراحلِ طرقِ زيادةِ الوعيِ الحقوقيِّ لدى المواطنِ والمقيم .
أما في المرحلة الثانية : فيكون الدورُ على وسائلِ الإعلامِ المرئيةِ والمسموعةِ والمقروءةِ في نشرِ الثقافةِ النظاميةِ وزيادةِ الوعيِ في مجال الحقوق ، وعلى الخطباءِ والعلماءِ والمدرسين في المساجدِ والمجالسِ وقاعاتِ المحاضرات ، وعليهم وعلى الصحفيين من خلال صفحاتِ الجرائد ، وعبر المجلاتِ المتخصصةِ في مجالِ القضاء والحقوق .
وتبقى المرحلة الثالثة : حيث ينبغي تضمينُ مناهجِ التعليمِ ملخصاتٍ ضروريةً لأبرز القضايا والأحكام والإجراءات ؛ سواءٌ : المالية ، أو الأسرية ، أو الجزائية .
---------------------------------------------------------
س11/ بعد تطبيق الأنظمة الجديدة كيف يرى فضيلتكم أهميتها في حفظ حقوق المستثمرين ، وخاصة بعد السماح للشركات والمؤسسات بالاستثمار داخل المملكة ؟
جـ11:
الحقُّ : أنَّ الشركاتِ والمؤسساتِ الأجنبيةَ الراغبةَ في الاستثمارِ داخلَ المملكةِ لا ترى في الأنظمةِ الجديدةِ حفظاً لحقوقها ، فالأنظمةُ الجديدةُ إجرائيةٌ مختصرةٌ ، ولولا اللوائحُ التنفيذيةُ لتلك الأنظمة لكانت الفائدةُ منها في تبيين إجراءات التقاضي محدودةً جداً .
والمستثمرون الوافدون يريدون أنظمةً وقوانين شفافةً ؛ يعلمون من خلالها ما لهم وما عليهم ، ومثل هؤلاء لا يهمهم في العادة إن كان الحكمُ بشريعةِ الإسلامِ أو بغيرها ، المهمُ عندهم : الوضوحُ والشفافيةُ في القوانين وأنظمةِ الحكمِ القضائيِ في البلاد التي يستهدفونها باستثماراتهم أياً كان مصدرها ؛ كي يستطيعوا عبر مستشاريهم ومن خلالها الانطلاقَ والإقدامَ أو التراجعَ والإحجامَ عند إرادةِ أمرٍ أو حدوثِ طارئٍ أثناء الاستثمار .
وأنظمةُ الحكمِ القضائيِّ المدوَّنةُ ( القانون الإسلامي ) غيرُ متوفرةٍ لدينا حتى هذه الساعة ، بل إن الجدالَ حول طلبها وضرورةِ تحقيقها لا يزال محتدماً بين الدعاة إليه والرافضين له ، وهذه المزريات تُظهر الشرعَ الإسلاميَّ أو العلماءَ في بلادنا – لدى سائر الأمم - بمظهر العاجز عن مواكبة تطورات العصر .
ولاشك أن نسبةَ هذا القصور والعجز إلى الرجال الرافضين له أرحمُ من نسبته إلى شريعة الإسلام حاشاها عن ذلك ، وكلا الأمرين أحلاهما مرُّ .
وخلاصة الأمر : أن هناك خياراتٌ كبيرةٌ في أفراد المسائل الشرعية تصلح للفتوى والمفتين حتى يختاروا منها ما يكون الأقرب لحال من يستفتيهم ، ولا يصلح للقضاء منها غيرُ أرجحها وأقربها للدليل ؛ كما فعل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما جمع الناس على مصحفٍ واحد وأحرق ما سواه لما رأى اختلاف الناس .
ولو جمعنا الراجح من أحكام المسائل في سِفرٍ واحدٍ لكان قانوناً فقهياً ؛ تتوحَّد به الأحكام ، وتنحسر به شبهات الحكم بالهوى ، وتتضح به الرؤية لكلا المتقاضيين ، ويعلم به صاحبُ الحق أن له حقاً فلا يدع الاحتكامَ إليه لتحصيله ، ويعلم به من عليه الحق أنَّ الحكمَ واقعٌ عليه لا محالة فيذعن له ؛ بلا مطلٍ ولا لددٍ ، وبذلك تقل الخصومات ، وتزدهر التجارات ، ويأمن الناس على أموالهم وأنفسهم ، وتتحقق خلافة الله في الأرض بعمارتها بما يرضي الله ؛ فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
كما أن ضد ذلك سبب كثرة الخصومات ، ومدعاة للحيف ، ومجلبة للخوف ، وممحقة للبركة ، وداعٍ للفساد في الأرض ، ومغرٍ بالظلم والإفساد ؛ وما لا يتم المحرم إلا به فهو محرم .
وإنَّ خلوُ الساحةِ من مثل تلك الأنظمة والقوانين مدعاةٌ إلى أحد ثلاثة أمور :-
الأمر الأول : أن تبتعدَ الشركاتُ الأجنبيةُ عن التورُّطِ في استثماراتٍ غيرِ مأمونةٍ ، لأنَّ الهمَّ الأولَ للمستثمر هو إحاطةُ استثماراته بسياجٍ قانونيٍ ظاهرٍ واضحٍ قطعيٍ ، يأمن به على رأسِ ماله وعلى ما يرجو تحقيقه من وراء الاستثمار .
ومعلومٌ أن الدولةَ المنتجةَ - كبلادنا - لا يروقُ لها أن تكونَ بمنأى عن تلك الاستثمارات ؛ التي ترجو منها القيادةُ أن تصبَّ في مصلحة الوطن والمواطن والمقيم وكذا : مصلحة الأجيال القادمة ؛ التي هي الهمُّ الأكبرُ لساسة البلاد وقادتها وعقلائها .
الأمر الثاني : أن تتنازلَ الدولةُ عن حقها السياديِّ في ضرورةِ التحاكمِ إلى قانونها المطبقِ على أرضها ؛ التي هي محلُ الاستثمار ، وهذا الأمر فيه منقصةٌ لهيبة الدولة ، وحطٌ لقدرها بين الدول .
وإن اضطرت الدولةُ لقبوله في الماضي فلن تحتملَ استمرارَ تنازلها عن سيادتها والتفريطِ بحقوقها ؛ مهما كانت الأسبابُ ، وأياً كانت النتائج .
الخيار الثالث : أن تستوردَ الدولةُ قانوناً أجنبياً موثوقاً من الجهات الاستثمارية ؛ لشموله ووضوحه وشيوعه بين الدول وعند الشركات التجارية العالمية ، ثم تنشئُ له جهةً قضائيةً تتخذ هذا القانون دستوراً لأحكامها . وهذا ما أتوقع حصوله قريباً ؛ خصوصاً بعد إنشاء محكمة الملك عبد الله بن عبد العزيز للتحكيم التجاري المعلن عنه في الأيام القليلة الماضية .
وأني - عبر هذا المنبر الإعلامي - أوجه النداءَ لكلِّ عاقلٍ منصفٍ ، فأقول : تُرَى لو ثبتَ أنَّ في القانونِ المستوردِ مخالفةً للشريعة الإسلامية - ولا أظنه كذلك إن شاء الله تعالى - أليس وزره وإثمه على الجهات التي تسببت في حصوله ؟ ؛ بوقوفها ضد جديدِ الأنظمةِ ، وبسبب عدمِ التصدرِ لوضع ترتيبٍ لأحكام الاستثمارِ على نحوٍ لا يتعارض مع أحكامِ شريعة الإسلام ؛ الأمرُ الذي أدَّى إلى التورُّط فيما فيه مخالفةٌ لا سمح الله !.
إنني وعبر هذه الأسطر أدعو رجالَ المؤسسةِ القضائيةِ إلى تداركِ الوضعِ القضائيِّ في البلاد ، وإدراكه قبل أن يتدهور ، فكما تشتتت جهاتُ التقاضي إلى أكثر من ثلاثين جهةً قضائيةً ، فقد يؤول الأمرُ إلى تعدُّدِ دساتير الأحكامِ القضائية ، وهنا لن يخرجوا عن أحدِ المسمياتِ الشائنةِ الثلاثةِ الواردةِ في الكتاب العزيز في حقِّ من لم يحكم بما أنزل الله وهي : ( الكافرون ، الفاسقون ، الظالمون ) ؛ لأنَّ المتسبِّبَ كالمباشر ، ولست أجزم بإقدام العقلاءِ على مثل هذا . نسأل الله السلامة من مضلات الأهواء .
---------------------------------------------------------
س12/ يطالب كثير من الباحثين والقضاة والمهتمين بإنشاء محاكم مختصة اقتصادياً واجتماعيا وتجارياً وذلك لتحقيق الدقة في العمل، أين يقف رأي فضيلتكم من هذا الطرح؟
جـ12:
لا مشاحةَ في الاصطلاح كما يقولون ، فإنشاءُ محاكمَ متخصصةٍ - في أيٍّ من المجالات : التجارية ، أو الأسرية ، أو الإدارية ، أو الجزائية ، أو الحقوقية ، أو العمالية ، أو المرورية ، ونحوها - يحققُ الدقةَ في العمل ولاشك ، ولو خُصِّصَ لكلٍ من تلك المجالات دوائرُ متخصصةٌ داخل المحكمة الواحدة لحققَ المطلوب بكلفةٍ أقلَّ وفي مدةٍ أقصر .
والمهمُّ : أن يكونَ الجميعُ تحت مظلةِ المجلس الأعلى للقضاء قضائياً ، وتحت إشرافِ وزارة العدل مالياً وإدارياً ؛ توحيداً للقضاء في المملكة ، ومنعاً لازدواجية الأحكام ، أو تنازع وتدافع الاختصاص .
أما ما عليه العملُ اليومَ من افتراضِ ( القاضي الموسوعة ) - الذي ينظر في اليوم الواحد أنواعاً من القضايا : الأسرية ، والمالية ، والعقارية ، والجنائية ، والإنهائية ، والمرورية – فهذا الافتراضُ الساذَجُ من أكبر عوامل تأخير البتِّ في القضايا وإطالة أمد نظرها ، بعد العامل الأهم في التأخير الذي هو النقص الحادُّ في أعداد القضاة .
إنَّ التخصصَ القضائي مظنةُ إتقانِ الأحكام ، وهو سببُ سرعةِ إنجاز القضايا ، وكلاهما مطلبٌ هامٌ للدولةِ ولصاحبِ الحقِّ وللمجتمعِ بكافةِ أطيافه ؛ إذ إن زوالَ أسبابِ الشقاقِ بين الناسِ من دواعي الأمنِ النفسيِّ والماليِّ لجميع فئاتِ المجتمع ؛ مواطنين ومقيمين ، ذكوراً وإناثاً . نسأل الله التوفيق لمثله .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 4502 | تأريخ النشر : الأحد 3 شعبان 1427هـ الموافق 27 أغسطس 2006مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|