عام في ضحى ذات يوم جلس رجلان كبيران في السن تحت جدار في إحدى مدن الجزيرة العربية يتذكران الأحداث الجارية كما تناقلته محطات الإذاعة العربية .
فقال الأول : إن الدنيا كلها لا تزال بخير ، والناس في الأرض ينعمون بخيرات كبيرة .
ثم حمد لله على ذلك .
فرد الثاني بقوله : صحيح ما ذكرت ، غير أن العالم الإسلامي خير دول العالم ؛ لما هم عليه من نعمة الإسلام التي لا تعدلها نعمة .
فقال الأول : الحق معك ، وإن كان العالم العربي أفضل ؛ لأنهم ينطقون العربية ، ويقرأون بها القرآن والسيرة والحديث وفقه الإحكام .
فأجاب الثاني : هذا حق وواقع ، وإن كنت أرى أن شعب المملكة أسعد حظاً من سائر الدول العربية لما حباهم الله من تطبيق للشرع في جميع الأمور ، ولأنهم البلد الأوحد الذي ليس من بين مواطنيه غير مسلم .
فعقَّب الأول : هذا هو ما كنت أعتقده ؛ غير أن منطقة وادي الرمة في وسط الجزيرة تتميز على غيرها ؛ لانتشار العلم وكثرة العلماء من بين أفراد مجتمعها ، وكذا الوزراء والقضاة وكبار رجال الأعمال .
فانبرى الثاني قائلاَ : لقد أتيت بما كنت أريد قوله ؛ لكن ألا ترى أن مدينتنا خير مدن المنطقة وأبرزها في هذه المجالات .
فأجاب الأول ـ وكان مستلقياَ فجلس ـ قال : أتريد الحق؟! لا أرى من بين مواطني مدينتنا المشهورة بالتدين والعلم أصلح مني ومنك ؛ لأننا لو دققنا لوجدنا من بين المواطنين هنا المتطرف والعلماني والمنافق ذا الوجهين وغيرهم . انتهى المقصود .
ولو ساغ إكمال القصة تخميناً لقلت : أكيدٌ أن الثاني عقب بقوله : ولكني أصلح منك فأنا خير رجل في العالم .
فالقصة لا تكتمل حواراً فكاهياً بغير هذه الخاتمة ؛ لكن القصة بدون هذه الخاتمة هي حال كثير من رجال الرأي والدين والأدب يرون أنهم خير الناس في هذه الأرض كرماً ومروءة وشرفاًَ ورأياً وعلماً وديناً ، كما قال الشاعر :
جاء شقيق عارضاً رمحه = إن بني عمك فيهم رماح
قلت : ولو جال هؤلاء بأبصارهم في بلدان العالم العربي والإسلامي لوجدوا أن هناك من يماثلهم ـ إن لم يزد عليهم ـ فيما يتشدقون به .
وهذه النظرة الفوقية هي التي عزلتهم عن العالم عنهم فنبزتهم تلك المجتمعات بالألقاب تنفيراً منهم وصداً عنهم وهم السبب في ذلك ؛ لأنهم نظروا إلى الناس بعين واحدة ولم ينظروا إليهم بعينين ، قاسوا الناس عليهم ولم يقاسوا ما عليه الناس غيرهم ، ورحم الله القائل :
ومن يك ذا فمٍ مُرٍ مريضِ = يجد مُراً به الماء الزلالا
ولولا ما تقوم به الدولة وفقها من ترميم للعلاقات بين شعب المملكة وسائر مجتمعات العالم بجهودها السياسية وإعاناتها العينية ودعمها السياسي ومواقفها تجاه كثير من القضايا العربية والإسلامية لما حظي الناس بمثل المكانة المرموقة التي ينعمون بها الآن ؛ مما يعني أن موقف ساسة المملكة خير من مواقف كثير من أهل الحل والعقد غيرهم والحمد لله على كل حال .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 5813 | تأريخ النشر : الثلاثاء 2 شعبان 1426هـ الموافق 6 سبتمبر 2005م
طباعة المقال
إرسال المقالة
جاء شقيق عارضاً رمحه
في ضحى ذات يوم جلس رجلان كبيران في السن تحت جدار في إحدى مدن الجزيرة العربية يتذكران الأحداث الجارية كما تناقلته محطات الإذاعة العربية .
فقال الأول : إن الدنيا كلها لا تزال بخير ، والناس في الأرض ينعمون بخيرات كبيرة .
ثم حمد لله على ذلك .
فرد الثاني بقوله : صحيح ما ذكرت ، غير أن العالم الإسلامي خير دول العالم ؛ لما هم عليه من نعمة الإسلام التي لا تعدلها نعمة .
فقال الأول : الحق معك ، وإن كان العالم العربي أفضل ؛ لأنهم ينطقون العربية ، ويقرأون بها القرآن والسيرة والحديث وفقه الإحكام .
فأجاب الثاني : هذا حق وواقع ، وإن كنت أرى أن شعب المملكة أسعد حظا من سائر الدول العربية لما حباهم الله من تطبيق للشرع في جميع الأمور ، ولأنهم البلد الأوحد الذي ليس من بين مواطنيه غير مسلم .
فعقب الأول : هذا هو ما كنت أعتقده ؛ غير أن منطقة وادي الرمة في وسط الجزيرة تتميز على غيرها ؛ لانتشار العلم وكثرة العلماء من بين أفراد مجتمعها ، وكذا الوزراء والقضاة وكبار رجال الأعمال .
فانبرى الثاني قائلا : لقد أتيت بما كنت أريد قوله ؛ لكن ألا ترى أن مدينتنا خير مدن المنطقة وأبرزها في هذه المجالات .
فأجاب الأول ـ وكان مستلقيا فجلس ـ قال : أتريد الحق؟! لا أرى من بين مواطني مدينتنا المشهورة بالتدين والعلم أصلح مني ومنك ؛ لأننا لو دققنا لوجدنا من بين المواطنين هنا المتطرف والعلماني والمنافق ذا الوجهين وغيرهم . انتهى المقصود .
ولو ساغ إكمال القصة تخمينا لقلت : أكيد أن الثاني عقب بقوله : ولكني أصلح منك فأنا خير رجل في العالم .
فالقصة لا تكتمل حوارا فكاهيا بغير هذه الخاتمة ؛ لكن القصة بدون هذه الخاتمة هي حال كثير من رجال الرأي والدين والأدب يرون أنهم خير الناس في هذه الأرض كرما ومروءة وشرفا ورأيا وعلما ودينا ، كما قال الشاعر :
جاء شقيق عارضا رمحه = إن بني عمك فيهم رماح doPoem(0,'font="Arial,1em,black,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="double,3,green" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,red" star="***,green" style="display:none"',1)
قلت : ولو جال هؤلاء بأبصارهم في بلدان العالم العربي والإسلامي لوجدوا أن هناك من يماثلهم ـ إن لم يزد عليهم ـ فيما يتشدقون به .
وهذه النظرة الفوقية هي التي عزلتهم عن العالم عنهم فنبزتهم تلك المجتمعات بالألقاب تنفيرا منهم وصدا عنهم وهم السبب في ذلك ؛ لأنهم نظروا إلى الناس بعين واحدة ولم ينظروا إليهم بعينين ، قاسوا الناس عليهم ولم يقاسوا ما عليه الناس غيرهم ، ورحم الله القائل :
ومن يك ذا فم مر مريض = يجد مرا به الماء الزلالا doPoem(0,'font="Arial,1em,black,bold,normal" bkcolor="" bkimage="" border="double,3,green" type=0 line=1 align=center use=sp num="0,red" star="***,green" style="display:none"',2)
ولولا ما تقوم به الدولة وفقها من ترميم للعلاقات بين شعب المملكة وسائر مجتمعات العالم بجهودها السياسية وإعاناتها العينية ودعمها السياسي ومواقفها تجاه كثير من القضايا العربية والإسلامية لما حظي الناس بمثل المكانة المرموقة التي ينعمون بها الآن ؛ مما يعني أن موقف ساسة المملكة خير من مواقف كثير من أهل الحل والعقد غيرهم والحمد لله على كل حال .