|
فقهيات لاشك أن التحدُّثَ باللسان العربي الفصيح غير الملحون يشق على كثير في هذا الزمان ؛ حيث فشى الَّلحنُ ، وعمت وطمت اللكنة العامية ؛ حتى بين طلاب العلم اللغوي والشرعي ؛ ولا فرق .
ومن اللائق : بمن رأى من نفسه عدم القدرة على الحديث بلغة القرآن : أن يمتنع عن الحديث حتى يتقن الكلام بالفصحى ، أو أن يقرأ ما يريد التصريح به من ورقة مكتوبة بلسان فصيح يُعِدُّه هو أو يعده لَه غيره عند اللزوم ، ولا عيب في ذلك ! ريثما يتعلم فصيح الكلام ؛ فيستغني عن غيره .
روى الدارمي : عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما : تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَاللَّحْنَ وَالسُّنَنَ كَمَا تَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ .
يريد رضي الله عنه باللحن : الخطأ في الكلام ؛ من باب : تعلموا اللحن ؛ حتى لا تقعوا فيه . والله أعلم .
وليس من ذلك : الخطأ العارض في الإعراب ، والسهو الطارئ عن الصواب في تصريف بعض الكلمات ؛ مع بذل الوسع في مراعاة فصيح الكلام ؛ فما لا يدرك كله لا يترك كله .
وقد كان اللحن عيباً عند العرب ، ولا يُعرف به إلا الأعاجم ، أو من كانت أُمُّهُ أمةً أعجمية ، أو كانت تربيته الأولى فيهم ؛ كما يفعله المغرورون من الناس في هذا الزمان ؛ من إرسال أولادهم للدراسة في بلاد لا تُقيم للدين ولا للغة العربية شأناً .
روى مسلم : عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ قَالَ : تَحَدَّثْتُ أَنَا وَالْقَاسِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَدِيثًا ، وَكَانَ الْقَاسِمُ رَجُلاً لَحَّانَةً ، وَكَانَ لأُمِّ وَلَدٍ ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ : مَا لَكَ لا تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِي هَذَا ؟! ؛ أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ ؛ هَذَا أَدَّبَتْهُ أُمُّهُ ، وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ . قَالَ : فَغَضِبَ الْقَاسِمُ ، وَأَضَبَّ عَلَيْهَا ، فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ عَائِشَةَ قَدْ أُتِيَ بِهَا قَامَ . قَالَتْ : أَيْنَ ؟ . قَالَ : أُصَلِّي . قَالَتْ : اجْلِسْ . قَالَ : إِنِّي أُصَلِّي . قَالَتْ : اجْلِسْ غُدَرُ ؛ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ * لا صَلاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ، وَلا هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ *
وقولُه : أَضَبَّ . من الضَّبِّ ؛ وهو في اللغة : الغِلُّ في القلب . ولعل الراوي يريد : أنَّ ابن عمِّه القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم حمل على عمته عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في قلبه ، ووجد عليها ؛ من كلامها عن صيرورة العجمة واللحن في كلامه من أُمِّهِ وكانت أمة أعجمية كما ذكر ابن أبي عتيق . والله أعلم .
وروى الإمام أحمد : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِصُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : لَوْلا ثَلاثُ خِصَالٍ فِيكَ لَمْ يَكُنْ بِكَ بَأْسٌ . قَالَ : وَمَا هُنَّ ؟ ؛ فَوَاللَّهِ مَا نَرَاكَ تَعِيبُ شَيْئًا . قَالَ : اكْتِنَاؤُكَ بِأَبِي يَحْيَى ؛ وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ ، وَادِّعَاؤُكَ إِلَى النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ ؛ وَأَنْتَ رَجُلٌ أَلْكَنُ ، وَأَنَّكَ لا تُمْسِكُ الْمَالَ . قَالَ : أَمَّا اكْتِنَائِي بِأَبِي يَحْيَى : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَنَّانِي بِهَا ؛ فَلا أَدَعُهَا حَتَّى أَلْقَاهُ ، وَأَمَّا ادِّعَائِي إِلَى النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ : فَإِنِّي امْرُؤٌ مِنْهُمْ ، وَلَكِنْ اسْتُرْضِعَ لِي بِالأَيْلَةِ ، فَهَذِهِ اللُّكْنَةُ مِنْ ذَاكَ ، وَأَمَّا الْمَالُ : فَهَلْ تُرَانِي أُنْفِقُ إِلا فِي حَقٍّ ؟! .
لقد أنكرت أم المؤمنين عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا على ابن أخيها لحنه في الكلام معها ؛ وهو في حجرتها ، ولم يك على المنبر ، وعاب عمر رضي الله عنه على صهيب رضي الله عنه لكنته في الحديث ؛ وهو لا يعيب شيئاً ؛ وما ذاك إلا لعظم الأمر وفداحة الخطب ، فكيف بمن يتجلجل كلامه في كل الأنحاء عبر أجهزة الإعلام المختلفة .
إنَّ الدعوة في هذه الوقفة : إلى من ابتلي باللحن في كلامه ، وجرَّته العامية السمجة إلى التدثُّر بها ولبسها حتى في تصريحاته المنقولة للناس ؛ الخاص منهم والعام . وبخاصة : طلبة العلم الشرعي . وفق الله الجميع لما يرضيه .
الفقير إلى عفو الودود ناصر بن زيد بن داود
ليست هناك تعليقات | عدد القراء : 3839 | تأريخ النشر : الخميس 5 شعبان 1421هـ الموافق 2 نوفمبر 2000مإرسال المقالة
|
|||
|
|
|||
|