حوى هذا الحكم مبادىء مهمة في تجديد الترخيص، ومخالفات البناء، والتعويض عن الإزالة وغيرها ..
حكم حديث غير منشور (ابتدائي)
الحكم رقم275/.../2/1432هـ
في القضية رقـــم6489 /2/ق لعــام 1431هـ
المقامة من/.........
ضـــــد/أمانة محافظة جدة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعـده، وبعـد:
فإنه في يوم الأحد3/7/1432هـ بمقر المحكمة الإدارية بجدة انعقدت الدائرة ..... المشكــلة مـن:
القاضي/ رئيســاً
القاضي/ عضـــواً
القاضي/ عضـــواً
وبحضور/........ أميناً للسر، وذلك للنظر في القضية المشار إليها أعلاه، المحالة إلى الدائرة ......في 25/11/1431هـ ثم إلى هذه الدائرة في 10/4/1432هـ، وقد حضر جلسات الترافع المدعي أصالةً، بينما مثل المدعى عليها/..... و...... المثبتة بياناتهم بملف الدعوى. وبعد دراسة الأوراق وسماع المرافعة واستيفاء الإجراءات أصدرت الدائرة هذا الحكم.
(الوقائـع)
تتلخص وقائع الدعوى حسبما يتضح من مطالعة أوراقها بالقدر اللازم للحكم في أنه بتاريخ 25/11/1431هـ أُودِعت لدى المحكمة لائحة دعوى قدمت من المدعي وختمت بطلبه وقف قرار المدعى عليها المتضمن إغلاق محله التجاري. وذكر شرحاً لأسانيد دعواه: أنه قام بفتح محل تموينات غذائية وتقدم للمدعى عليها بطلب الترخيص، وبعد صدوره شرع في تأمين كافة التجهيزات اللازمة للمحل من بضائع وعمالة، وبعد انتهاء مدته تقدم لتجديده، فتم رفض طلبه بحجة أن الموقع غير نظامي لوقوعه في دور مخصص للخدمات، وما زالت الأمانة تهدده بالإغلاق.
وبجلسة 21/12/1431هـ أكد المدعي على دعواه طالباً إلزام المدعى عليها بتجديد الرخصة وبصفة عاجلة وقف تنفيذ قرار الإغلاق وفصل التيار الكهربائي؛ فأصدرت الدائرة حكمها برفض الطلب العاجل، بينما قدم ممثل المدعى عليها بذات الجلسة مذكرة أوضح فيها أن قرار رفض التجديد يستند إلى عدم صحة الإجراء المتخذ لإصدار الترخيص أول مرة، وأساس ذلك: أن رخصة البناء الخاصة بالعمارة الكائن بها محل المدعي لا تشمل دوراً مخصصاً لنشاطٍ تجاري،وإنما قام المدعي بمباشرة النشاط بدور الخدمة المخصص ــ أساساً ــ كموقف للسيارات وغرف سائقين لسكان المبنى، علماً بأن لجنة دراسة مخالفات البناء أصدرت قرارها بعقوبة تبعية على مالك المبنى جراء الزيادة في دور الخدمة مع الإلزام بإعادة استخدامه مواقف للسيارات والإبقاء على 140م2 غرف للسائقين حسب تصريح البناء، وأرفق ممثل المدعى عليها صورة من ترخيص البناء وصورة من قرار العقوبة.
وبجلسة 7/2/1432هـ قدم المدعي مذكرة أكد فيها أن اعتراف المدعى عليها بخطئها في إصدار الرخصة أول مرة مع إصرارها على عدم تجديدها يدل على تعنتها وتجاهلها للأضرار اللاحقة به، مضيفاً بأنه استخرج الرخصة بطريقة نظامية بعد استكمال كافة الإجراءات ودفع الرسوم، كما أن قرار اللجنة الصادر بالعقوبة لا يعنيه وهو يخص مخالفة مالك المبنى الذي قام بالمخالفة في دور الخدمة، مؤكداً بأن الشارع الذي يقع عليه المبنى شارع تجاري وقد رخصت المدعى عليها بإقامة شقق مفروشة في ذات المبنى.
وبجلسة 5/6/1432هـ قدم المدعي مذكرة أكد فيها أن الأمانة قامت مؤخراً بهدم محله التجاري مما عرَّض أمواله للنهب والسرقة دون سابق إنذار طالباً التعويض، بينما قرر ممثل المدعى عليها بأنه يكتفي بما سبق تقديمه في الدعوى. وطلبت منه الدائرة بجلسة 12/6/1432هـ تقديم صورة من محضر الإزالة وصورة من الإنذارات الموجهة للمدعي بذلك.
وبهذه الجلسة قدم المدعي مذكرة شرح فيها الأضرار اللاحقة به جراء عدم تجديد الترخيص وإزالة محله، كما قدم ممثل المدعى عليها مذكرة أوضح فيها أن الإزالة تمت بتشويه الأبواب الحديدية الخارجية فقط وذلك بعد أن وجهت الأمانة إنذاراً للمدعي ولصاحب المبنى ولمستثمر الشقق المفروشة وقدم صوراً لمحضر الإزالة والإنذارات. فعقب المدعي بأن ما ذكرته الأمانة من الاقتصار على تشويه الأبواب الخارجية غير صحيح مؤكداً أنها قامت بإتلاف وتكسير موجودات داخل المحل، نافياً صحة ما ذكرته عن إخلاء المحل قبل الإزالة، مقرراً أنه ليس لديه إثبات على ذلك سوى صور فوتوغرافية تثبت وجود تكسير وإتلاف داخل المحل.
(الأسباب)
لما كان المدعي يهدف من إقامة دعواه إلى إلغاء قرار المدعى عليها الصادر برفض تجديد رخصة فتح محله وتعويضه عن الأضرار الناشئة عن هذا القرار والأضرار الناشئة عن إزالته فإن الدعوى تدخل في الاختصاص الولائي للمحاكم الإدارية طبقاً للفقرتين (ب) و (ج) من المادة (13) من نظام ديوان المظالم الصادر بالمرسوم الملكي (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ، كما تدخل في اختصاص هذه الدائرة مكانياً طبقاً لقرار رئيس ديوان المظالم رقم 67 لعام 1432هـ.
وحيث استوفت الدعوى سائر أوضاعها النظامية وفقاً للمادتين الثالثة والرابعة من قواعد المرافعات والإجراءات أمام الديوان واتصلت بإلغاء قرار إداري مستمر ومتجدد الأثر وقد سبقت بالتظلم لجهة الإدارة فهي مقبولة شكلاً.
ولما كان البيِّن من الأوراق أن ثمة رخصة فتح محل تموينات برقم 5141/107 ورخصة فتح محل بوفيه برقم 5142/107 صدرتا للمدعي في 17/9/1429هـ على العقار الموصوف بهما، وقد انتهت مدة الترخيص في 16/9/1430هـ وعلى إثر ذلك تقدم المدعي بطلب التجديد؛ فأصدرت المدعى عليها قرارها الطعين برفض الطلب ثم قامت بإزالة المحلات في 5/3/1432هـ، وأبانت في مذكراتها أن سبب قرارها يرجع لفقدان شرط الموقع ومخالفة البناء للترخيص الصادر به، إذ أن رخصة البناء الخاصة بالعمارة الكائن بها محل المدعي لا تشمل دوراً مخصصاً لنشاطٍ تجاري،وإنما قام المدعي بمباشرة النشاط بدور الخدمة المخصص ــ أساساً ــ كموقف للسيارات وغرف سائقين لسكان المبنى، وقدمت صورة لقرار العقوبة الصادر بحق مالك المبنى المخالف وأخرى لقرار العقوبة الصادر بحق موظف البلدية الذي قام بإصدار الترخيص للمدعي بالمخالفة للنظام.
وبما أنه من المتقرر أن وظيفة الضبط الإداري من أولى واجبات الدولة وأهمها لضرورتها وحتميتها في استقرار النظم وصيانة الحياة الاجتماعية والمحافظة عليها، بحيث تغدو الحياة بدون الاضطلاع بهذه الوظيفة وقد عمتها الفوضى الأمر الذي يؤذن بانهيار نظامها الجماعي. ولذا أخضعت الدول بعض نشاطات الأفراد لاسيما المتعلقة منها بالغير لوسيلة من وسائله المتعددة وهي الترخيص الإداري الذي يستهدف أساساً إحداث التوازن بين حقوق وحريات الأفراد من جهة وبين تحقيق الصالح العام للمجتمع بالمحافظة على أمنه وسلامته وصحته وسكينته، أي صيانة النظام العام بمعناه الواسع من جهةٍ أخرى.
ولما كان من المتقرر كذلك أن المخالفة لنظام البناء لا يمنح مالك العقار ولا مستثمره – ولو وقعت من غيرهما – مركزاً نظامياً وحقاً مكتسباً بالنسبة للمنافع الناتجة عن المخالفة، فإنه ليس لمن رُخِّص له في البناء المخالف على غفلةٍ من جهة الإدارة وغلطٍ بيِّنٍ منها الاستفادة من الوضع الناتج بطريقٍ غير مشروع. ولما كان الثابت من ترخيص بناء العقار الكائن به محل المدعي صدوره متضمناً أن الدور الأرضي به مخصص مواقف للسيارات على سبيل الوجوب لا اختياراً من المالك نظراً لطلبه الترخيص ببناء سبعة أدوار الأمر الذي لا يتم التمكين منه إلاَّ بتخصيص دور لمواقف السيارات دون أي غرضٍ آخر، بينما المستبين أن مالك العقار قد خالف الترخيص الصادر له ولم يلتزم بتخصيص الدور الأرضي لإيواء السيارات بل صيَّره على هيئة محلات تجارية؛ ومن ثمَّ فإنه لا يجوز السماح لمستأجرها بممارسة نشاط يخالف ترخيص البناء الصادر على العقار، لاسيما وأن موضوع المخالفة هو وجود المحلات في الدور الأرضي عِوضاً عن مواقف السيارات، وهو الأمر الذي يفقد المحل المطلوب عنه الترخيص شرطاً من أهم الاشتراطات الواجب توافرها في موقعه. والقول بغير ذلك من شأنه إفساح السبيل للمخطىء للإفادة من خطئه وللمخالف للإثراء من مخالفته‘ فضلاً عما يسبغه ترخيص الاستغلال على هذا النحو من شرعية المخالفة وإحالة التجاوز الصارخ لقواعد وشروط البناء عملاً متفقاً وأحكام النظام. وبالتالي فإن القرار الصادر من جهة الإدارة برفض تجديد ترخيص المدعي يغدو متسقاً وصريح مبادىء الشرع وصحيح أحكام النظام، ويتعين لذلك رفض طلب الإلغاء في مواجهته.
ولا ينال من ذلك حِجَاجُ المدعي بوقوع المخالفة من مالك العقار؛ ذلك أن المخالفة تظل قائمةً طالما لم تتم تهئية المكان للغرض المخصص له نظاماً بقطع النظر عن شخص المخالف أو انتقال ملكية الموقع أو التعاقد على منفعته، بحسبان أن التخصيص يرد على العين ذاتها دون اعتبار لشخص المنتفع منها، والالتزام بمقتضاه يتحقق بالمحافظة على المكان وتوفيره لذات الغرض المدوَّن برخصة البناء دون تبديل، وهو ملقىً على عاتق حائِزِهِ بأي صفةٍ ولو لم يكن مالكاً له، وإلَّا عُدَّ ذلك تكريساً للتعدي ومناهضةً لقواعد المشروعية.
كما لا يجدي المدعي نفعاً الركون إلى صدور الترخيص من المدعى عليها بالفعل، وأن ما يطلبه هو تجديد ما صدر بموافقتها؛ ذلك أنه متى استبان لها الخطأ في صدوره فإن هذا الخطأ – رغم وقوعه – لا يصلح سنداً لوجوب تكراره.
وإذا تقررت صحة القرار وسلامته من العيوب فإن دعوى المسؤولية ومطالبة المدعي بالحكم بأثرها تعويضاً تمسي فاقدةً لسندها في نسبة الخطأ لجهة الإدارة، فضلاً عن عدم ثبوت الضرر والحال أن الترخيص الممنوح للمدعي مؤقت بسنةٍ واحدة تنتهي في 16/9/1430هـ وقد ظل يمارس النشاط حتى إزالة المحلات في 5/3/1432هـ، وعلى فرض تحقق الضرر من حرمان الرخصة فإنه ضررٌ لم يكن ليتصل بعين الموقع بحيث يدور معه وجوداً وعدماً بل هو ناتجٌ عن تعنت المدعي وإصراره على إقامة النشاط في موضعٍ مخالفٍ ليس له حق الأثرة به دون باقي منتفي العقار وسكانه الذين خُصِّصَ هذا الموضع رعايةً لحقهم في إيقاف مركباتهم، وكان الظن بالمدعي بعد هدايته لهذا المعنى أن يكون رشيداً بطلب الترخيص في مواقعَ أُخَرُ مطابقة للشروط البلدية، خاصةً وقد تيقن أن ما تستهدفه الإدارة لا ينال من حقه في ممارسة النشاط ولا يحرمه الحصول على الترخيص بالكلية. وإذ تساقطت عناصر المسؤولية الموجبة للتعويض من الخطأ والضرر وعلاقة السببية فإن الدائرة تقضي برفض طلبه التعويض عن القرار محل الدعوى.
وأما عن طلبه التعويض عن الأضرار الناتجة عن الإزالة فالمتقرر أن لجهة الإدارة القيِّمة على مجالات التنمية العمرانية سلطة الرقابة على أعمال البناء للتأكد من مطابقتها للأصول الفنية والمواصفات العامة وفقاً لقواعد وأحكام البناء والعمران التي تعتمدها كنظامٍ عامٍ للمدينة، بحسبان أن التراخيص التي تصدرها بأعمال البناء تستهدف في حقيقتها اتساق تصميمه مع الضوابط والاشتراطات العامة للمباني ومخططات المدن وفق قواعد عامة مجردة مرسومة ومحددة مسبقاً بحيث تسري على العموم ولا تترك لأهواء الأفراد ورغباتهم، ضماناً لصلاحيتها الأمنية والصحية وسلامتها الإنشائية والهندسية، وتوفيراً للمرافق والخدمات المأمولة منها، فضلاً عن المحافظة على جمال وتنسيق ورواء المنطقة.
وتطبيقاً وتفعيلاً لهذه السلطة خوَّل النظام للإدارة سلطات للضبط الإداري في نطاق البناء باعتبارها صاحبة الحق الأصيل في متابعة مخالفاته ومن ذلك إصدار قرار بإزالة الأعمال المخالفة، وفقاً للمادة (4/7) من لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (218) في 6/8/1422هـ المتعلقة باستخدام المبنى لغير ما خصص له، والتي نصت على فرض عقوبة تبعية تتمثل في إلزام المالك – كرهاً – بإعادة استخدام المبنى للغرض المخصص له.
وبما أن الثابت قيام المدعى عليها بإخطار المدعي في 26/10/1431هـ بمخالفته المتمثلة في ممارسة نشاط تجاري في دور مخصص لخدمة العقار وإفهامه بضرورة مراجعتها، إضافة إلى إنذار مالك المبنى الذي قام بتاريخ 17/11/1431هـ بتوقيع تعهد بفتح دور الخدمة والإبقاء على مساحة 140م2 كغرف للسائقين خلال أسبوع من ذلك التاريخ، فإنه لا تثريب عليها حين باشرت إزالة المحلات مدار النزاع بمعية أفرادٍ من الشرطة دُوِّنت توقيعاتهم في محضرها تحقيقاً لدورها الرقابي واضطلاعاً بواجبها الإشرافي، بل ينتفي الخطأ من جانبها طالما سلكت الطريق الذي رسمه المنظم لها دون جنوح أو شطط، وفضلاً عن ذلك فإن الأضرار التي ينعيها المدعي من الإزالة لم يقدم مستنداً صحيحاً لإثباتها، كما لا يتصور وقوعها وقد أثبت محضر الإزالة أنه تم إخلاء المحلات قبل الإزالة، مع ما تؤكده المدعى عليها من أنها اقتصرت على تشويه الأبواب الحديدية فحسب، ولم يقدم المدعي خلافه، يضاف لذلك أنه كان في مكنة المدعي – وقد أُرعِي سمعاً بالمراجعة وأُعذِرَ بعاقبة الممانعة – التحول بماله المنقول عن الخطر الداهم، وإن صح أنه لم يفعل فهو المُفَرِط بحقه وهو أولى بخسارته. مما تقضي لأجله الدائره برفض هذا الطلب.
(ولـكـل مـا تـقـدم)
حكمت الدائرة: برفض الدعوى المقامة من/ ................ ضد/ أمانة محافظة جدة.
والله الموفق ،، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،